العراق تنفيذ إصلاحات مصرفية شاملة بالتعاون مع البنك المركزي وشركات استشارية عالمية،

العراق تنفيذ إصلاحات مصرفية شاملة بالتعاون مع البنك المركزي وشركات استشارية عالمية،

الباحثة شذا خليل*

يُعدّ الاقتصاد العراقي من أكثر الاقتصادات اعتمادًا على النفط في العالم، إذ يشكّل النفط أكثر من 90٪ من الإيرادات والصادرات الحكومية، مما يجعل الاستقرار الاقتصادي في العراق مرتبطًا بشكل كبير بتقلبات أسعار النفط العالمية.
ورغم أن العراق يتمتع بموارد طبيعية هائلة، إلا أن عقودًا من الصراعات والفساد وضعف الإدارة أعاقت تطوره الاقتصادي. ومع ذلك، بدأت الحكومة العراقية، بالتعاون مع البنك المركزي العراقي وصندوق النقد الدولي (IMF)، بتنفيذ إصلاحات مهمة تهدف إلى تحديث النظام المصرفي وتعزيز الشفافية وتنويع مصادر الدخل. هذه التغييرات سيكون لها تأثير كبير على مستقبل الاقتصاد العراقي واستقراره.

1. الاعتماد على النفط والهشاشة الاقتصادية

يبقى قطاع النفط العمود الفقري للاقتصاد العراقي، إذ يوفّر تقريبًا جميع الإيرادات الحكومية. فعندما ترتفع أسعار النفط، يشهد الاقتصاد نموًا سريعًا، ولكن عندما تنخفض، تظهر العجوزات في الموازنة وتتأخر الرواتب وتُخفض الاستثمارات في قطاعات مثل الصحة والتعليم.

على سبيل المثال، ذكر صندوق النقد الدولي (2025) أن النمو في القطاعات غير النفطية انخفض إلى نحو 2.5٪ في عام 2024 بسبب تقلب عائدات النفط، ما يُظهر مدى ارتباط الاقتصاد العراقي بالقطاع النفطي. هذا الاعتماد الكبير يخلق دورة من “الازدهار والانكماش” تؤثر على التخطيط الطويل الأمد وفرص العمل والاستقرار الاجتماعي.

التأثيرات:

الاعتماد المفرط على النفط يحد من تنويع الاقتصاد.

تقلب أسعار النفط يؤدي إلى عدم استقرار في الخدمات العامة والرواتب.

ضعف الاستثمار في القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة.

2. دور الإصلاحات المصرفية والمالية

في عام 2025، أطلقت الحكومة العراقية برنامجًا شاملًا لإصلاح القطاع المصرفي بالتعاون مع شركات دولية مثل KPMG وErnst & Young (EY) ومؤسسة التمويل الدولية (IFC).
تهدف هذه الإصلاحات إلى تحديث النظام المصرفي، وزيادة الشفافية، وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما يعمل البنك المركزي العراقي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على تطوير الاقتصاد الرقمي وتنظيم التجارة الإلكترونية.

ووفقًا لموقع Iraq Business News (أكتوبر 2025)، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن إصلاح القطاع المصرفي يمثل ركيزة أساسية لبناء الثقة وتعزيز النشاط الاقتصادي.

التأثيرات:

تحسين المعايير المصرفية سيتيح للشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول على التمويل بسهولة.

تعزيز الشفافية سيقلل من الفساد المالي والإداري.

التحول نحو الخدمات الإلكترونية سيدعم التجارة الحديثة وريادة الأعمال.

إذا نجحت هذه الإصلاحات، فسيتحول العراق من اقتصاد نقدي تقليدي إلى اقتصاد أكثر حداثة يعتمد على التكنولوجيا والثقة المؤسسية.

3. البطالة وضعف القطاع الخاص

تُعدّ البطالة من أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية في العراق، خاصة بين الشباب والنساء. ويعتمد عدد كبير من المواطنين على التوظيف الحكومي، بينما يعاني القطاع الخاص من ضعف البنية التحتية والتمويل والاستثمار.

يشير تقرير صندوق النقد الدولي (2025) إلى أن تحسين سياسات سوق العمل والتمويل يمكن أن يرفع معدلات التوظيف بنحو 2.5٪ خلال خمس سنوات. ولتحقيق ذلك، يحتاج العراق إلى دعم ريادة الأعمال، وتوسيع التعليم المهني، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي.

التأثيرات:

ارتفاع البطالة يؤدي إلى زيادة الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.

دعم القطاع الخاص يقلل من الاعتماد على الوظائف الحكومية.

تطوير الزراعة والسياحة والصناعات التحويلية يمكن أن يخلق آلاف فرص العمل الجديدة.

4. الفساد وضعف الحوكمة

يُعتبر الفساد الإداري والمالي وضعف المؤسسات من أكبر العوائق أمام تطور الاقتصاد العراقي. وأكد كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي (2025) أن غياب الشفافية وضعف القوانين يُبعد المستثمرين الأجانب ويؤدي إلى هدر الموارد العامة.

ورغم أن الحكومة بدأت في تنفيذ حملات لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية المالية، إلا أن هذه الجهود تحتاج إلى دعم مؤسسي وقانوني أكبر لضمان الاستدامة.

التأثيرات:

الفساد يزيد الفجوة بين الفئات الاجتماعية ويقلل من ثقة المواطنين بالحكومة.

ضعف القوانين والتنظيمات يقلل من ثقة المستثمرين.

تحسين الحوكمة سيُشجع الشراكات والاستثمارات الدولية.

5. النظرة المستقبلية للاقتصاد العراقي

إذا استمر العراق في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الحالية، فقد يتحسن الوضع الاقتصادي بشكل ملحوظ خلال السنوات القادمة. ويُتوقع أن يؤدي تنويع الاقتصاد نحو قطاعات مثل الطاقة المتجددة والزراعة والسياحة والخدمات الرقمية إلى تقليل الاعتماد على النفط.

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يؤدي نجاح الإصلاحات الهيكلية إلى نمو مستدام في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) وتوسّع في القطاعات غير النفطية. ومع ذلك، فإن هذا التحسن يعتمد على الاستقرار السياسي والأمني واستمرار التعاون مع المؤسسات الدولية.

التأثيرات الإيجابية المحتملة:

تقوية النظام المالي وزيادة الاستثمارات الأجنبية.

خلق فرص عمل للشباب والنساء.

تحسين البنية التحتية وتعزيز التجارة.

تحقيق استقرار اقتصادي طويل الأمد.

التأثيرات السلبية المحتملة (في حال فشل الإصلاحات):

استمرار الاعتماد على النفط وتقلب الاقتصاد.

ارتفاع البطالة وزيادة التوترات الاجتماعية.

ضعف الثقة الدولية وتراجع الاستثمار.

الخاتمة

يمر الاقتصاد العراقي بمرحلة حساسة تجمع بين التحديات والفرص. ورغم أن النفط ما زال المصدر الأساسي للدخل، فإن الإصلاحات الجارية في القطاع المصرفي والحوكمة والتنويع الاقتصادي تمثل خطوات حقيقية نحو التحول.
يبقى التحدي الأكبر هو تحويل الثروة النفطية المؤقتة إلى تنمية مستدامة طويلة الأمد. ويتطلب ذلك الشفافية، والاستثمار في الإنسان، وبناء مؤسسات قوية تدعم الابتكار والنزاهة.

إذا نجح العراق في تنفيذ هذه الإصلاحات وتعزيز التنوع الاقتصادي، فسيتمكن من بناء اقتصاد مستقر يوفر فرص عمل ويحسّن مستوى المعيشة للأجيال القادمة.

وحدة الدراسات الافتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية