شهدت الساحة العراقية فعاليات سياسية متعددة أهمها انعقاد المؤتمر الـ 11 للبرلمانات الإسلامية في بغداد الذي أولته الحكومة العراقية اهتماما كبيرا باعتباره بوابة نحو مزيد من الانفتاح العراقي على دول العالم وخاصة الإسلامية منها. ولم تهتم الحكومة بغياب نصف الدول المنضوية للمؤتمر الإسلامي عن الحضور إلى بغداد، كما لم تعر اهتماما لتوضيح أسباب عزوف تلك الدول عن الحضور، بل اعتبرت مجرد انعقاده انجازا كبيرا للدبلوماسية العراقية. وقد قوبل انعقاد المؤتمر بانتقادات من قوى عراقية والجمهور لكون العراق يمر بضائقة مالية خانقة بينما تصرف الحكومة أكثر من خمسة ملايين دولار على أعمال مؤتمر لن ينتهي سوى بورقة بيان كان يمكن ان يصدر إذا عقد المؤتمر في أي مكان آخر ووفر العراق نفقات إنعقاده. كما انتقد البعض دعوات بعض السياسيين من أن عقد المؤتمر في بغداد سيعطي دليلا للعالم على التعايش الديني في العراق، رغم أن أزمة الاعتداءات الطائفية في ديالى من حرق الجوامع وقتل الأبرياء لم يمر عليها سوى أيام بالتزامن مع تقدم بعض القوى السياسية بطلب الحماية الدولية لطائفة أساسية في العراق.
وجاءت تفاعلات الإعتداءات الطائفية التي شهدتها محافظة ديالى شرق العراق قبل أيام، لتفتح البوابة لمزيد من التدخل الدولي في الشأن العراقي، وذلك عندما تقدمت قوى سنية سياسية مشاركة في العملية السياسية بطلب رسمي إلى بعثة الأمم المتحدة لتوفير الحماية الدولية للطائفة السنية في ديالى والتهديد برفع دعاوى قانونية ضد المسؤولين والمنظمات والميليشيات التي ارتكبت الانتهاكات الطائفية من حرق للمساجد وقتل الأبرياء وحملة التهجير، حسب قولها. وكشفت أحداث مدينة المقدادية عدة حقائق منها أن الميليشيات لا تنسى البرنامج الذي وضعته لنفسها أو وُضع لها في العراق، وإنها إذا كانت تسكن قليلا أحيانا، فإنها سرعان ما تعود لتتحرك نحو الدور نفسه، ألا وهو إثارة الفتنة بين أبناء الشعب العراقي. وظهر سكوت وتواطؤ بعض القوى السياسية مع برنامج الميليشيات التي دافعت عنها بقوة بحجة كونها ضمن الحشد الشعبي، كما تبين اختراق الميليشيات للأجهزة الأمنية في العديد من المدن العراقية ومنها ديالى، حيث أن شرطتها لم تكتف بمراقبة الانتهاكات دون التدخل بل إن مدير شرطتها، القيادي في منظمة بدر، دافع عن تلك الجماعات وقلل من حجم جرائمها وشارك في محاولات تضليل الجمهور من خلال اتهام تنظيم الدولة بالمسؤولية عن تلك الحوادث.
من جانبه، دعا رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، إلى انهاء «الاذرع المسلحة» للأحزاب السياسية، وفيما أكد أن المتسببين في الأحداث التي شهدها قضاء المقدادية في محافظة ديالى معروفون، شدد على ضرورة التبرؤ من «الميليشيات المنفلتة» بإجراءات عملية.
وقد أعلنت القوى السياسية السنية أنها وصلت إلى قناعة بعدم جدوى استخدام اسلوب العموميات في إدانة الجرائم واختارت ان تحدد المسؤولين عن إثارة الفتنة الطائفية، فانتقد العديد من نوابها الحكومة لتقاعسها عن حماية أبناء المكون وعدم التزامها بالتعهدات المتفق عليها، وتمسكت بقرارها اللجوء إلى المجتمع الدولي عموما والأمم المتحدة خصوصا من أجل توفير الحماية الدولية لأبناء المكون، في إجراء يتفق المتابعون على أنه ربما سيكون مقدمة لتصعيد التوتر في العلاقة المتأزمة بين الشركاء السياسيين في الحكومة والبرلمان وما ستتركه من آثار على الأوضاع الداخلية المليئة بالأزمات الدائمة، وربما يكون مقدمة لتقسيم العراق بحجة حماية بعض أجزائه من الاضطهاد والتهميش. لقد جاءت زيارة العبادي إلى بعقوبة والمقدادية والحديث عن جرائم تنظيم الدولة في المنطقة وعدم تحديد الجهات المسؤولة عن الانتهاكات التي وقعت، لتعطي الانطباع بعدم قدرة الحكومة على مواجهة الميليشيات أو محاسبتها على جرائمها وتحديها للحكومة.
ومن جهة أخرى، فإن تكرار ظاهرة خطف الأجانب في العراق من قبل الجماعات المسلحة، أكدت حقيقة أصبح العراقيون مقتنعين بها منذ سنوات، وهي سيطرة تلك الجماعات على الشارع العراقي وعدم احترامها للحكومة وموقفها تجاه دول العالم، فجاء اختطاف مقاولين أمريكيين هذه الأيام من جهة متعاونة مع إيران حسب تقارير المخابرات الأمريكية والعراقية، لتكون حلقة في مسلسل لا يبدو أنه سينتهي، بدأ بخطف الخبراء البريطانيين في وزارة الداخلية أثناء الاحتلال الأمريكي، ثم جاء خطف العمال الأتراك وبعدهم الصيادين القطريين، الذين ظهر عجز الحكومة عن تحديد أماكنهم أو تحريرهم أو تحديد الجهات القائمة بالتنفيذ.
واقتصاديا، جاء تواصل انهيار أسعار النفط ووصولها إلى مستويات لم يسبق الوصول إليها، ليضع العراقيين أمام مستقبل لا يبدو مبشرا بالخير، ويضع حكومتي بغداد واربيل في موقف لا تحسدان عليه وسط تخبط واضح في اتخاذ الإجراءات الناجحة لمواجهة الأزمة الخانقة، والتي وصفها المراقبون بالإجراءات السطحية وغير الجذرية.
وبرز هذه الأيام تفاقم الأوضاع في إقليم كردستان بعد تأكد عجز الأحزاب الرئيسية عن التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الأزمات المتعددة في الإقليم وخاصة أزمة الرئاسة وتقاسم السلطات، حيث شهدت هذه الأيام تصعيدا في تبادل الاتهامات بين الأحزاب بالمسؤولية عن الأزمات والفساد والهيمنة على السلطة وتمسك الجميع بمواقفهم بالتزامن مع تحذيرات حكماء الأكراد من مخاطر وتداعيات استمرار أزمات الأقليم وتململ الشارع الكردي التي أصبحت الأزمة الاقتصادية تسحقه وسط استمرار إيقاف صرف حكومة بغداد مستحقات الإقليم ولجوء حكومته إلى تجزئة صرف الرواتب والمزيد من الإجراءات التقشفية.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي