إيران وشطحاتها الاستراتيجية

إيران وشطحاتها الاستراتيجية

خامئني والحرس الثوري

كلما كانت الدولة قوية تفوقت شروط أمنها على شروط أمن الآخرين. إنه مبدأ مونرو الذي أعلن وصاية واشنطن على أميركا اللاتينية قبل نحو قرنين، وهو مبدأ غير قابل للاستنساخ في منطقتنا العربية سواء من قوى دولية أو إقليمية.

وتقع الكوارث حينما تظن بعض القوى أن بإمكانها التعامل مع محيطها الإقليمي عبر الاستعلاء الاستراتيجي عبر التحرش الأمني والعسكري بدل تحويل مقومات القوة عاملَ استقرار ودفاع مشروع عن المصالح. وتشير تجارب المنطقة العربية والشرق الأوسط إلى أن ميل بعض الدول إلى صنع عدو والتعاطي مع هذه الفكرة عبر تكريس الموارد وشحذها يفضي إلى عواقب وخيمة يدفع ثمنها في المقام الأول الشعب وليس النظام الحاكم.

من هنا، فإيران ترتكب حالياً خطأ بالغاً في حساباتها الاستراتيجية، يقوم على ظنٍ مجافٍ للواقع بأنها الوحيدة التي تملك عناصر القوة في المنطقة، وأن تحقيق شطحاتها الاستراتيجية ممكن الآن.

ويمكن القول بوجود عوامل ثلاثة تشجع إيران على هذه الشطحات، يتعلق الأول ببنية النظام الدولي، حيث الاستراتيجية الأميركية التي سماها أوباما الصبر الاستراتيجي، تقوم على الخلط بين مجموعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والإعلامية والعسكرية لتحقيق الأهداف الأميركية مع تأجيل ترتيب الأداة العسكرية لتصبح الأخيرة في منظومة الأدوات، مع التركيز على آسيا ومراقبة الصعود السلمي للصين. تعتقد طهران أن هذه الاستراتيجية تعني إطلاق يدها لتحقيق طموحاتها، وهو تفكير يبتعد كثيراً من المنطق والقراءة الموضوعية للواقع لأسباب عدة، أهمها أن رؤية أوباما لا تلزم خليفته في البيت الأبيض، وأن تراجع دور واشنطن النسبي في قيادة العالم يعني إفساح المجال لقوى دولية جديدة للمساهمة في صنع القرار، بينها الصين التي ربما تكون القوة الأكثر تفهماً في العالم لأهمية منطقة الخليج والحاجة لضمان الاستقرار فيها. بالإضافة إلى إدراك حلفاء واشنطن الآسيويين الأهمية الجيوستراتيجية للمنطقة التي تضم أهم منابع النفط في العالم، بالإضافة إلى الممرات البحرية الحيوية.

فضلاً عن ذلك، فالمنطقة ذاتها قادرة على استخدام مقوماتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية للتصدي لأية مغامرة جديدة والدفاع عن مصالحها.

أما العامل الثاني، فيرتبط بنتائج التوصل لاتفاق نووي مع الغرب، حيث تعتقد طهران أن الاتفاق يعني السماح لها بلعب دور إقليمي متزايد على حساب قوى المنطقة. وهذه قراءة خاطئة هي الأخرى، بل من الأجدى عند تقييم هذا الاتفاق التفكير ملياً في حجم الأموال التي تم إهدارها على إقامة برنامج نووي سري ثم التخلص منه تحت تهديد العقوبات الدولية. وهي مغامرة كلفت طهران ولا شك عشرات بلايين الدولارات وهو مبلغ يفوق بالتأكيد الـ55 بليوناً المتوقع إيقاف تجميدها. وحريٌّ بإيران أن تفكر في ضخ هذا المبلغ لتجديد بنيتها التحتية المتهالكة في قطاعات عدة، لاسيما قطاع النفط، إذ يهدد تراجع مستوى البنية النفطية قدرتها على الحفاظ على حصتها السوقية عالمياً. كما ينبغي على صناع القرار العمل على تحسين الظروف المعيشية والتفكير في أن الشباب الإيراني يحدوه الأمل بأن يرى دولته تعيش بسلام وسط جيرانها.

والغريب أن التحركات الإيرانية لجذب الاستثمارات العالمية تتعارض مع محاولات التمدد السياسي المحكومة بالفشل في العالم العربي، ولا يمكن للاستثمارات أن تتدفق على بلد تحيط بنياته شكوك كثيرة، ما يؤثر في أي قرار بالاستثمار فيه.

أما الورقة الثالثة التي تحاول إيران استخدامها فورقة شيعة الخليج والعالم العربي عموماً، على رغم أن النظرة الفاحصة إلى بنية المجتمع الإيراني تشير إلى أن استخدام هذه الورقة ليس في مصلحة طهران بأي حال. فالمجتمع الإيراني لا يتسم بالتجانس العرقي ولا حتى المذهبي، حيث يتكون من خليط من الفرس والأذريين والعرب والأكراد والتركمان، فضلاً عن التنوع الديني والمذهبي القائم والذي يطرح مسألة حقوق السنّة الإيرانيين الذين يتعرضون لملاحقات مستمرة بسبب تمسكهم بهويتهم المذهبية ورفضهم الاستجابة لحركة التشييع. وهذا فضلاً عن ارتفاع نسبة البطالة وتدهور مستوى المعيشة في مناطق السنّة، على رغم أن إقليم الأهواز ينتج نحو 70 في المئة من إجمالي إنتاج إيران من النفط.

الخلاصة، أنه إذا كانت واشنطن قد شعرت بعد عقد من تدخلها العسكري في أفغانستان والعراق، بأن أذرعها امتدت أطول من اللازم ورتبت عليها أعباءً متزايدة على المستويات السياسية والاقتصادية والأخلاقية، فحريٌّ بإيران أن تعتبر هي الأخرى فتركز على أوضاعها الداخلية بدل البحث عن مغامرات جديدة محكومة بالفشل مقدماً.

محمد عبدالعزيز منير

صحيفة الحياة اللندنية