السؤال ربما لا يكون واضحا، فالأطراف العربية التي تحتاج مصالحة، متعددة. بيد أنني أقصد هنا المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية بالدرجة الأولى.
فخلال الثمانية أشهر التي قضيتها في فلسطين، بات لدي انطباع بأن المصالحة الفلسطينية لن تتحقق في القريب العاجل. كما أسوق هذا الكلام على ضوء محاضرة ألقاها د. ناصر القدوة، ابن أخت الزعيم الراحل ياسر عرفات، في ذكرى استشهاد ثلاثة من قيادات حركة “فتح” في مدينة ليماسول القبرصية، من خلال تفجير السيارة التي كانت تقلهم، أصابع الموساد الإسرائيلي لم تكن بعيدة عن تلك العملية. إذ شدد د. القدوة، وهو عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، على أن المصالحة الفلسطينية هي ضرورة قصوى لبناء الدولة الفلسطينية العتيدة. وكنت أنتظر أن تتاح فرصة للجمهور للحوار لأساله: ماذا لو لم تتحقق المصالحة؟ هل سيتلاشى الأمل في بناء الدولة أو وجودها؟
أعتقد جازما، على ضوء بعض المعطيات التي شهدتها عن قرب خلال تواجدي لفترة قاربت السنة في الضفة الغربية، أن المصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس” لن تتحقق في القريب العاجل، وذلك لسبب بسيط، هو عدم توافر الثقة بين الطرفين. أضف إلى ذلك أن سيطرة “حماس” الكاملة على قطاع غزة، دفعتها إلى تثبيت أقدام حكمها هناك، بحيث لن تتنازل عنه لحركة “فتح” بشكل خاص، ولا لحكومة وطنية قد يتم تشكيلها ما لم تكن لحماس اليد العليا فيها كضمان لوجودها وسيطرتها.
ولست هنا بصدد إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك، لأن هذه مسألة غاية في التعقيد، لكنها ليست مستحيلة الحل إذا ما صلحت النوايا، وأضحت المصلحة العليا لفلسطين فوق المصالح الفصائلية والفئوية.
إن ما يجري على الأرض الفلسطينية من انقسام الضفة عن غزة، أعطى العدو المحتل خدمة مجانية. كما أن شلال الدم النازف في سورية والتدمير في إطار سياسة الأرض المحروقة، أعطى العدو نفسه خدمة وراحة بال قد تستمر لعشرات السنين.
كل هذه الأعمال البربرية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق أشقائنا الفلسطينيين، وكل هذا القتل والذبح والدمار في سورية من قبل نظام الأسد وأعوانه، قد أدمت قلوبنا كعرب من دون أدنى ريب. هذا ناهيك عما يحدث في العراق واليمن وليبيا. فكل هذه المشاهد التي تجري في هذه الأقطار العربية، هي خسارة فادحة للمشروع العربي الذي تراجع للخلف خطوات واسعة. ولا نملك إلا أن نترحم على الشهداء الذين قضوا نحبهم دفاعا عن الوطن، وعلى القتلى الأبرياء الذين لاقوا حتفهم إما بأيد عربية محلية أو خارجية ومرتزقة.
محمد الشواهين
صحيفة الغد