مليشيات الحشد الشعبي في العراق هي قوات شبه عسكرية تنتمي إلى المكون الشيعي ظهرت في المشهد العراقي بعدما أفتت المرجعية الدينية الشيعية العليا بالعراق “بالجهاد الكفائي” في 13 حزيران/يونيو 2014م، لمواجهة هجمات تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش”.
وتتألف مليشيات الحشد الشعبي من الشباب الشيعي العراقي موزعين على أكثر من 42 فصيلًا، بعض تلك الفصائل تتألف من حوالي مليون شخص وأخرى تضم بضع مئات، يعزو مراقبون كثرة عدد الفصائل التي يتكون منها الحشد الشعبي إلى الرغبة في الحصول على امتيازات سلطوية وعسكرية. وتنقسم فصائل الحشد الشعبي إلى قسمين: الأول هو الفصائل الكبيرة المعروفة،مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وسرايا السلام ولواء الخراسان وغيرها. وهي تنظيمات ترتبط عقائديّاً وتنظيميّاً ومالياً في شكل مباشر بالإيرانيّين، وهذا يشكّل خطراً على مستقبل تلك القوّات ودورها في الصراع السياسيّ القائم في البلد. فيما القسم الثاني هو من الشباب الذين استمعوا إلى نداء المرجعية الدينية بعد سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة في حزيران/يونيو عام 2014 وانضموا إلى قطاعات الجيش والشرطة في حزام بغداد وفي محافظات أخرى، حسب عضو لجنة الأمن النيابية عمار طعمة.
وترتبط مليشيات الحشد الشعبي بالنظام الإيراني ارتباطاً مباشراً، إذ يترأسه جمال محمد جعفر، المعروف باسمه الحركي، أبو مهدي المهندس، الذي يقول عنه مسؤولون عراقيون، إنه اليد اليمنى لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، ويثني عليه البعض من مقاتلي الحشد الشعبي على أنه بمثابة قائد لجميع القوات التي تعتبر كلمته كالسيف عليها. ورغم إنكار الحكومة العراقية لوجود دعم إيراني لتلك المليشيات إلا أن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي اضطر في النهاية إلى الاعتراف بأن النظام الإيراني يقدم “دعما كبيرا” لميليشيات الحشد الشعبي المتحالفة مع القوات العراقية بشقيها العسكري والأمني.
هذا الحشد الذي تأسس لغاية من الناحية النظرية لقتال تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش” إلا أنه من الناحية الواقعية ارتكب العديد من جرائم القتل الطائفي لأبناء المحافظات السُنية في محافظة صلاح الدين والأنبار ومؤخرا في ديالى، والغرابة في هذه الجرائم إنها تأتي منسجمة تماماً مع التركيبة النفسية والعقلية للقاتل، الذي يرى كل عراقي ينتمي إلى المُكون السُني هو بطبيعة الحال من تنظيم الدولة لذلك من الواجب قتلهّ!.
لذلك تقدمت القوى السياسية السنية في العراق بطلبٍ رسمي إلى بعثة الأمم المتحدة، لتوفير الحماية الدولية للطائفة السنية في ديالى، والتهديد برفعِ دعاوى قانونية ضد المسؤولين والمنظمات، والميليشيات التي ارتكبت الانتهاكات الطائفية. إلى ذلك، دفعت الانتهاكات المتكررة لميليشيات الحشد الشعبي في محافظات صلاح الدين وديالى والأنبار وغيرها، بالسياسيين السنة إلى مطالبة المرجعية الشيعية بحل الميليشيات التي أمرت بتشكيلها سابقا. فجرائم الميليشيات، وبالأخص سلسلة التفجيرات وعمليات التصفية الجسدية في قضاء المقدادية شرق بغداد، كان الهدف وراءها إحداث تغيير ديموغرافي في تلك المنطقة، التي لا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عن الحدود الإيرانية، بحسب وصف العديد من الشخصيات السياسية العراقية والعربية. ووصف النائب حيدر الملا أحداث المقدادية التي وقعت مؤخراً بأنها استجابة لجدول أعمال”أجندة” إيرانية في العراق.
ويثير السلوك الطائفي المقيت لميليشات الحشد الشعبي أيضاً مخاوف القادة العسكريين الأمريكيين إذ لخص الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية المشتركة السابق المشهد العراقي الحالي في تصريح ادلى به اثناء زيارته الاخيرة الى بغداد، قال فيه “عندما حلقت على ظهر مروحية فوق بغداد كان بالامكان رؤية الكثير من الاعلام والشعارات التابعة لميليشيات شيعية معروفة من دون رؤية العلم العراقي بينها الا نادرا، واضاف “ان جهود الحرب ضد الدولة الاسلامية محكوم عليها بالفشل اذا لم تنجح حكومة بغداد في الالتزام بتعهداتها تجاه السنة في ان تكون حكومة لجميع العراقيين”.
واعتبر الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، ديفيد بتريوس أن الخطر الحقيقي على استقرار العراق والأمن في المنطقة على المدى الطويل يأتي من ميليشيات ” الحشد الشعبي” المدعومة من النظام الإيراني، وليس من تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش”. وقال ديفيد بتريوس، الذي كان أيضا قائدا لقوات بلاده في العراق، في رد على اسئلة من صحيفة واشنطن بوست الأميركية في آذار/مارس من العام الماضي، إن هذه المليشيات ” تقوم بفظاعات ضد المدنيين السُنة”، رغم إقراره بدورها في وقف زحف مقاتلي تنظيم الدولة “داعش” في المناطق العراقية. ويرى الجنرال الأميركي أن تجاوزات الميليشيات الشيعية ضد المدنيين السنة تشكل تهديدا لكل الجهود الرامية إلى جعل المكون السني جزء من الحل في العراق وليس عاملا للفشل. وأكد أن تنظيم الدولة “داعش” لا يمثل الخطر الأول بالنسبة لأمن العراق والمنطقة “لأنه في طريقه للهزيمة، لكن الخطر الأشد يأتي من الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران”، على حد تعبيره.
وحذر ديفيد بتريوس من تنامي نفوذ هذه المليشيات المدعومة إيرانيا بحيث تصبح الحكومة العراقية عاجزة عن احتوائها. وشدد بتريوس على أن مهمة دحر تنظيم الدولة “داعش” في العراق يجب أن تنجز من خلال القوات العراقية المدعومة من التحالف الدولي، مشيرا إلى ضرورة خلق قوات سنية مناوئة له، ووقف تجاوزات الميليشيات الشيعية بحق المواطنين السنة التي تزيد من حدة التوتر الطائفي في البلاد. وتعقيبا على ظهور الجنرال الإيراني قاسم سليماني داخل العراق، أعرب الجنرال الأميركي عن دهشته من رؤية سليماني ينتقل من قائد عسكري يعمل في الخفاء إلى شخصية أكثر علانية.
وكخطوة استباقية من قبل النظام الإيراني من أجل الحفاظ على ديمومة مليشيات الحشد الشعبي بوصفها أحد أذرعه العسكرية في العراق، فقد يمارس هذا النظام ضغوطاته على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ليصدر قراراً يعتبر فيه مليشيات الحشد الشعبي جزءاً من القوات المسلحة العراقية تضطلع بمهمة محاربة الإرهاب هذا من الناحية العلنية، لكن مهمتها الحقيقية التصدي لمعارضي السياسة الإيرانية في العراق، وبذلك تصبح على غرار حزب الله اللبناني الذي يعتبر أحد أهم أدوات النظام الإيراني العسكرية في المشرق العربي. لكن هناك فارق شكلي بينهما، بأن الأخير يعمل خارج النظام السياسي الحكومي اللبناني لكنه مؤثر تماماً على المشهد اللبناني، بينما مليشيات الحشد الشعبي ستكون جزءا أصيلاً من مؤسسات الحكومية للنظام السياسي العراقي، ويأمل النظام الإيراني أن يكون بنفس مستوى حزب الله إن لم يكن أكثر. فكيف لا يكون كذلك؟! ومفردة”الباسيج” في اللغة الفارسية، تعني الحشد!.
هذا الأمر إن أصبح واقعا ملموسا في العراق أي انخراط مليشيات الحشد الشعبي في المؤسسة العسكرية العراقية، فهذا يعني تعطيل للجهود الدولية وعلى رأسها جهود الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة تصحيح مسار النظام السياسي العراقي الذي انحرف كثيرا عن مساره الصحيح، كما أنه يقضي تماماً على مشروع الحرس الوطني الذي يعتبر مدخلاً لتصحيح المسار.
مما لاشك فيه، أن هذا الانخراط سيعمق حتماً من حالة القلق المجتمعي في العراق وقد يفضي إلى تقسيمه، فكيف يُعقل قادة مليشيات عسكرية مرتكبة جرائم طائفية وموالية للنظام الإيراني تصبح بفعل سياسة الأمر الواقع “قادة” فرق أو ألوية في الجيش العراقي، “قادة” إن جاز لنا القول أماكنهم الطبيعية السجون لما اقترفوه من الجرائم ضد أبناء الشعب العراقي وليس “قادة” فرق وألوية، “قادة” مليشيات أقل ما يمكن وصفهم به أنهم متعطشين للثأر كل حسب دوافعه الغريزية ضد شريكه في الوطن، لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل ستقبل الإدارة الأمريكية الحالية أو المقبلة بهذا الانخراط، كونها الراعي الرسمي للنظام السياسي العراقي في مرحلة ما بعد صدام حسين؟
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية