نتائج محدودة: حصيلة زيارة الرئيس “روحاني” إلى باكستان

نتائج محدودة: حصيلة زيارة الرئيس “روحاني” إلى باكستان

31032016-larg

في زيارة هي الأولى لرئيس إيراني إلى باكستان منذ 14 عاماً، قام الرئيس حسن روحاني، في الخامس والعشرين من مارس 2016، بزيارة إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، في خطوة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتين، أثمرت عن توقيع اتفاقية تجارية، واتفاقيات أخرى في مجال الطب والعلوم والتكنولوجيا والتعاون الأكاديمي.

وقد اكتسبت هذه الزيارة أهمية كبيرة، سواء من حيث توقيتها أو موضوعاتها، رغم محدودية النتائج الفعلية التي تمخضت عنها. فمن حيث التوقيت، جاءت الزيارة بعد رفع العقوبات الغربية على إيران في يناير الماضي، وفي إطار رغبة طهران في تعزيز انفتاحها على العالم الخارجي بشكل عام، وتقوية علاقاتها الاقتصادية مع الدول الصديقة لها بشكل خاص.

ورغم أن الاقتصاد كان العنوان الأبرز والمُعلن لزيارة روحاني لإسلام آباد، فإنها حملت بين طياتها ملفات أخرى أمنية تتعلق بأمن الحدود المشتركة بين البلدين، وموضوعات أخرى سياسية ترتبط بإحياء جهود باكستان للتوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران لتخفيف حدة التوتر في العلاقات بين البلدين.

الملف الاقتصادي في الزيارة

اتفق الجانبان الإيراني والباكستاني، خلال زيارة روحاني، على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما إلى 5 مليارات دولار بحلول عام 2021، من خلال التوقيع على اتفاقية تجارية لمدة خمس سنوات بين غرفتي تجارة باكستان وإيران. وحسب تصريحات رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، تم الاتفاق على افتتاح معبرين حدوديين بين البلدين من أجل زيادة النشاطات الاقتصادية وتسهيل التواصل بينهما.

كما احتل ملف تصدير الغاز الإيراني إلى باكستان حيزاً مهماً من مباحثات الجانبين، فثمة اتفاق يعود إلى عام 2009 تم توقيعه بين الرئيسين الباكستاني السابق آصف علي زرداري، والإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، لتزويد باكستان بحوالي 750 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي الإيراني، ويمر الخط من جنوب غربي إيران إلى الحدود الباكستانية، وتبلغ مسافته داخل الأراضي الإيرانية 1150 كيلومتر، في مقابل 781 كيلومتر داخل الأراضي الباكستانية.

ورغم أن إيران انتهت من بناء جزء كبير من هذا الخط داخل أراضيها قبل رفع العقوبات الدولية عنها بتكلفة وصلت إلى 2 مليار دولار وفق بعض التقديرات، لم تقم باكستان ببناء الخط داخل أراضيها، وبرّرت الأمر بالعقوبات الدولية المفروضة على طهران، والتي كانت تفرض التزامات محددة على الدول في علاقاتها الاقتصادية مع إيران. وتعول الأخيرة على خط أنابيب الغاز لباكستان على أمل مده إلى الأراضي الهندية.

وقد أشار الرئيس روحاني، خلال تواجده في إسلام آباد، إلى أن “إيران أكملت الجزء الخاص بها من خط أنابيب طال انتظاره لضخ الغاز الطبيعي إلى باكستان، وإنه سيكون بمقدورها ضخ الغاز إلى جارتها خلال بضعة أشهر”، وأضاف أن بلاده تستطيع تلبية كامل احتياجات باكستان من الطاقة، ورفع قدرة الكهرباء المصدرة إلى باكستان من 100 إلى ألف ميجاواط.

ولكن على الجانب الآخر، لم تُبد باكستان حماساً لإتمام تنفيذ هذا المشروع، حيث أحجمت الحكومة الباكستانية عن الإدلاء بأي تصريح رسمي حول هذا الأمر خلال زيارة الرئيس روحاني. وربما يقلل من حماس إسلام آباد أنها وقعت بالفعل، في فبراير 2016، مذكرة تفاهم مع قطر، لتصدير 3.75 ملايين طن سنوياً من الغاز المُسال إلى باكستان، على مدار 15 عاماً قادمة، وربما هذا ما دفع إلى إثارة موضوع خط الغاز الإيراني داخل البرلمان الباكستاني، حيث طالبت لجنة فرعية في مجلس الشيوخ الباكستاني الحكومة بتوضيح موقفها من خط أنابيب الغاز الإيراني – الباكستاني، وطلب أعضاء اللجنة من وزير البترول شاهد خاقان عباسي تقديم شرح تفصيلي للجنة حول هذا المشروع.

ملف أمن الحدود المشتركة بين البلدين

يعد ملف أمن الحدود المشتركة من القضايا الشائكة في العلاقات بين إيران وباكستان، بسبب المجموعات البلوشية المعارضة، والتي تشن عمليات مسلحة ضد قواعد الجيش والحرس الثوري وشرطة الحدود الإيرانية، مثل “تنظيم جند الله”، و”جيش العدل”، و”جيش النصر”، وكثيراً ما تسببت هذه التنظيمات في توتير العلاقات الإيرانية – الباكستانية لدرجة وصلت في بعض الأحيان إلى استدعاء متبادل للسفراء، كما حدث في أكتوبر 2014، بعد مقتل ضابط وعدد من حرس الحدود الباكستاني على يد القوات الإيرانية خلال اشتباكات مع مجموعة بلوشية مسلحة اغتالت بدورها عدداً من ضباط وحرس الحدود الإيرانيين في مواقع عديدة دخلت على إثرها قوات إيرانية إلى داخل حدود باكستان. وقبلها في أكتوبر 2013، تبنى “جيش العدل” مقتل 14 من حرس الحدود الإيراني، وبعدها في إبريل 2015، لقي ثمانية من عناصر حرس الحدود الإيراني مصرعهم في اشتباكات مع مجموعة مسلحة دخلت من الجانب الباكستاني إلى الأراضي الإيرانية جنوب شرق البلاد.

وفيما يتعلق بهذا الملف، اتفق الجانبان الإيراني والباكستاني، خلال زيارة روحاني، على أهمية إرساء الأمن في المناطق الحدودية المشتركة بينهما، ووجوب تطبيق اتفاق أمني بين البلدين تم توقيعه في ديسمبر 2014، يهدف إلى تشكيل طوق أمني استراتيجي للقضاء على أي تهديد تمثله التنظيمات المسلحة بما يضمن أمن الحدود الشرقية لإيران، والغربية لباكستان.

 وفي هذا السياق، أكد الرئيس روحاني على أهمية التعاون الدفاعي بين جيشي البلدين لصون وتعزيز أمن الحدود المشتركة، فيما أعرب قائد الجيش الباكستاني عن ثقته بأن الأمن الحدودي بين الدولتين سيشهد تحولاً أساسياً في القريب العاجل، مضيفاً أن بلاده ستستخدم كل جهودها لتنفيذ الاتفاقية الأمنية مع إيران، ولن تسمح بالقيام بأي إجراء ضد الأخيرة انطلاقاً من الأراضي الباكستانية، وهو الأمر ذاته الذي أكد عليه وزير شؤون المناطق الحدودية في باكستان عبدالقادر بلوتش.

هل تتوسط باكستان مجدداً بين الرياض وطهران؟

زيارة الرئيس الإيراني إلى باكستان جاءت في توقيت مازالت فيه العلاقات السعودية – الإيرانية تمر بمرحلة من التوتر والقطيعة الدبلوماسية، وقد جددت هذه الزيارة الآمال بأن تقوم باكستان مجدداً بمحاولات التوسط بين البلدين للتخفيف من حدة التوتر في العلاقات بينهما.

ويمكن القول إن ثمة عوامل تدفع باكستان للقيام بهذا الدور، في مقدمتها حرص إسلام آباد على ألا تمتد التوترات الطائفية إلى داخلها خاصةً في ظل وجود أقلية شيعية لديها (تضم باكستان ثاني أكبر عدد من السكان الشيعة في دولة مسلمة بعد إيران)، بالإضافة إلى علاقات الجوار الجغرافي لباكستان التي تتشارك في حدودها مع إيران، وكذلك علاقات الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية لباكستان مع المملكة العربية السعودية؛ فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 3.9 مليار دولار خلال عام 2013، وفق إحصائيات السفارة السعودية في إسلام آباد، فضلاً عن أكثر من 44 مشروع مشترك في مجال الاستثمارات المتبادلة، إضافة إلى التعاون العسكري الذي يشكل محور رئيسي من محاور العلاقات الثنائية بين البلدين.

مما لاشك فيه أن هذه الاعتبارات كان لها دور كبير في اتباع باكستان لسياسة الحياد والتوازن بين إيران والسعودية في الأزمة التي نشبت بين البلدين مع مطلع العام الجاري، وربما هذا يفسر هذا أيضاً رفض باكستان الانضمام إلى التحالف العربي الذي تقوده السعودية لاستعادة الشرعية في اليمن.

وقد كانت هناك محاولة سابقة لباكستان للتوسط بين الرياض وطهران، وذلك من خلال الزيارتين اللتين قام بهما رئيس وزراء باكستان نواز شريف والجنرال رحيل شريف رئيس أركان الجيش، إلى كل من السعودية وإيران في شهر يناير الماضي 2016، لرأب الصدع بين البلدين إثر الأزمة الأخيرة، ولكن هذه الجهود لم تنجح.

الجديد هذه المرة تزامناً مع زيارة الرئيس روحاني إلى باكستان ربما يكمن في وجود “الدافع” أو “الرغبة” لدى إيران، حسب تصريحات مسؤوليها، في تخفيف التوتر في علاقاتها مع السعودية، كما جاء في تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني، في ختام زيارته لباكستان، بأن “السعودية تلعب دوراً مهما في العالم الإسلامي، وإذا كانت هناك أي مشاكل بين البلدين، فإنه ينبغي حلها عبر الحوار”.

وبشكل أولي، يمكن تفسير هذه “الرغبة” الإيرانية، بعدة اعتبارات، ترتبط في معظمها ببعض “التحول” الذي شهدته تطورات الأزمة اليمنية مؤخراً، والتي ربما خلقت “إدراك” لدى طهران بأن الأمور قد تسير في غير ما تخطط له، على نحو ما تعكسه مفاوضات التهدئة التي تمت مؤخراً بين المملكة العربية السعودية ووفد من جماعة الحوثيين، وكذلك موقف يوسـف الفيشـي، عضــو اللجنــة الثوريــة للحوثييــن، الذي طالب المســؤولين الإيرانيين بالبقـاء بعيـداً عن الصراع اليمني، رداً على ما قاله نائــب رئيــس هيئــة أركان القــوات المســلحة الإيرانية الجنــرال مســعود جزايــري أن “إيــران قــد ترســل مستشــارين عســكريين إلــى اليمــن، لمســاعدة الحوثييــن علــى قتــال التحالــف العربــي التــي تقــوده الســعودية”.

كل ذلك يأتي قبل أيام من استئناف المحادثات الرسمية بشأن الأزمة اليمنية في الكويت، على نحو قد يمهد للتوصل إلى تسوية سياسية ما للأزمة، فضلاً عن أن الحل العسكري مازال مطروح إذا ما فشلت جميع محاولات الحل السياسي، الذي تم إحيائه مجدداً بعد حالة الاستنزاف العسكري التي تعرضت لها ميليشيا الحوثيين على جبهات متعددة.

ورداً على تصريحات روحاني التي أطلقها في ختام زيارته لباكستان، طالبت السعودية بأن يكون هناك تغيير حقيقي في السلوك الإيراني وليس فقط على مستوى التصريحات، وهذا ما عبَّر عنه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بقوله أن “على إيران إذا أرادت علاقات أفضل مع السعودية ودول الجوار أن تكف عن التدخل في شؤون الآخرين ودعم الإرهاب ومهاجمة السفارات واستهداف الدبلوماسيين”، وأضاف “إن الحكم على إيران يكون بناءً على أفعالها لا أقوالها”.

في المجمل، يمكن القول إن زيارة الرئيس روحاني إلى باكستان كانت مهمة، وتناولت قضايا استراتيجية بالنسبة للبلدين، ولكن نتائج هذه الزيارة تبدو محدودة، سواء على صعيد ملف تصدير الغاز الإيراني إلى باكستان الذي يبدو أن الأخيرة غير متحمسة له بعد توقيع عقد طويل الأمد مع قطر في فبراير الماضي 2016، أو على صعيد ملف أمن الحدود المشتركة الذي اقتصر الأمر فيه على تجديد تعهدات سابقة في هذا الشأن، أو على ملف الوساطة بين السعودية وإيران، الذي تُصر فيه الرياض على وجود تغيير حقيقي في السلوك الإيراني قبل التجاوب مع أي محاولات لتهدئة العلاقات مع طهران.

أشرف عبدالعزيز

مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة