بينما تتداخل أشكال الصراع بين المكونات الرئيسية بالعراق يبدو العرب السنة هم المتضرر الأكبر، حيث يمنع النازحون السنة من العودة لمنازلهم سواء في مناطق التداخل السني الشيعي، أو في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان.
رغم استعادة الحكومة العراقية العديد من المدن والبلدات من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية خلال الشهور الماضية فإن أغلب سكان هذه المناطق ما زالوا يمنعون من العودة إليها، وهو ما يثير مخاوف من عمليات تغيير ديمغرافي واسع في البلاد.
ويتخذ الصراع الديمغرافي السني الشيعي الشكل الأكثر خطورة ودموية في العراق، ولا سيما أن كثيرا من هذه المناطق تمثل عمقا سكانيا سنيا في الجنوب الشيعي كمنطقة جرف الصخر، أو مناطق يجري العمل لتشييعها تمهيدا لإعلانها محافظات قائمة بذاتها.
أما في سامراء فقد أفرغ محيطها من سكانه السنة بمناطق يثرب وعزيز بلد والإسحاقي، وتعرضت تلك المناطق إلى عمليات تخريب للمنازل وتجريف للأراضي بشكل كبير.
ويشترط قياديون في الحشد الشعبي مبالغ طائلة ضمن ما تعرف بـ”الفصول العشائرية” كتعويض لأهالي منطقة بلد الشيعية في محافظة صلاح الدين ذات الأغلبية السنية الساحقة، وكذلك الحال في المقدادية التابعة لمحافظة ديالى بزعم أن سكان المناطق السابقة كانوا حواضن لتنظيم الدولة.
لكن الناطق باسم الحشد الشعبي أحمد الأسدي وصف هذه الإجراءات بالادعاءات، معتبرا عودة النازحين من أولويات الحشد بعد تحرير كل منطقة كما حدث في تكريت ومناطق أخرى.
وأضاف أن المناطق التي لم يسمح بعودة أهلها إليها يتم تطهيرها من العبوات الناسفة وتأمينها للحيلولة دون عودة مسلحي تنظيم الدولة إليها مجددا، متهما بعض وسائل الإعلام بتشويه صورة الحشد وتصويره كمليشيا طائفية، على حد وصفه.
الحشد الشعبي متهم بالاستيلاء على بعض الدور والممتلكات الخاصة لسكان المناطق السنية (الجزيرة) |
رفض الفدرالية
ووفقا لإحصاءات مستقلة، فإنه من مجموع 150 ألف أسرة نازحة من محافظة ديالى لم يتجاوز عدد العائدين إليها ألفي أسرة فقط.
ويقول البعض إن ثمة مخاوف لبعض الأحزاب الشيعية من تفعيل نظام الأقاليم، حيث يتوقع أن تتجه المحافظات السنية نحو الفدرالية ككتلة واحدة أو على انفراد، وهو ما سيقضم كثيرا من الجغرافيا التي يتمدد فيها مشروع التشيع السياسي كما يرى الصحفي عمر الجمال.
وبحسب الجمال، تعتقد تلك الأحزاب أن تشييع هذه المناطق ومنع أهلها من العودة كفيلان ببقائها في حوزة الحكومة، معتبرا قرار عودة هؤلاء النازحين هو بيد الحشد الشعبي ولا تملك الحكومة أن تتدخل فيه.
وأضاف أن الساسة السنة وممثلي هذه المناطق خاصة لا يجرؤ معظمهم على المطالبة بحقوق ممثليهم، لأنهم يخشون من اتهامهم بالإرهاب.
وتوقع “مستقبلا مظلما” لهذه المناطق بسبب سياسة الإفقار المنظمة التي مورست بحقهم بعد أن تم تدمير منازلها ومعاملها ومزارعها.
ما زالت عمليات عودة النازحين إلى مناطقهم تواجه عراقيل كبيرة ولا سيما من بعض المسؤولين بتهمة أنهم حواضن لتنظيم الدولة (الجزيرة) |
سيطرة كردية
ولا يختلف الحال كثيرا في خريطة النزاع العربي الكردي التي تمتد من أطراف ديالى بمدن جلولاء والسعدية ثم العظيم لتمر عبر ناحية سليمان بيك جنوب شرقي كركوك ثم إلى الأجزاء الشمالية والشرقية من نينوى كمدن زمار ووانة وربيعة والكوير وغيرها.
فالأكراد الذين كانوا يطالبون بضم هذه المناطق إلى إقليم كردستان قبل أن تتساقط العديد منها بيد تنظيم الدولة منعت الأغلبية العظمى من أهالي تلك المناطق من العودة إلى منازلهم بعد أن استعادت قوات البشمركة السيطرة على معظمها.
وتنفي حكومة إقليم كردستان وقوع أي اعتداءات في هذه المناطق أو محاولات لضمها قسرا إلى الإقليم أو منع أهلها من العودة إليها كما تؤكد النائبة عن التحالف الكردستاني فيان دخيل.
وقالت -في حديث للجزيرة نت- إن “نازحي هذه المناطق لا يستطيعون العودة إليها لأن أغلبها مدمر، وإن الموقف الرسمي لأربيل هو أن تتحول المناطق المتنازع عليها إلى محافظات قبل أن يجرى فيها إحصاء سكاني ثم استفتاء لتقرير مصيرها بين المركز والإقليم”.
المصدر : الجزيرة نت