انتهجت تركيا بعد عام 2002 سياسة خارجية انفتاحية واضعة امامها هدف اعادة تركيا إلى وضعها وحجمها الطبيعي في الساحة الاقليمية والدولية بعد أن كانت مشغولة داخليا بحالات الانقلابات وعدم الاستقرار السياسي، ومن هنا فأن توجه تركيا نحو افريقيا يدخل ضمن هذه السياسة كونها تحقق اهدافا سياسية في توسيع دائرة النفوذ التركي الدولي واهدافا اقتصادية في ايجاد اسواق جديدة لتصدير البضائع التركية، وكذلك فهي تأخذ بعين الاعتبار حاجة شعوب تلك القارة الى توجيه الطاقات والقدرات التي يمتلكونها في اتجاه العمل على استقرار تلك المنطقة المتسمة بعدم الاستقرار منذ عقود طويلة.
مرحلة جديدة
تعود علاقات تركيا وقارة افريقيا الى زمن الدولة العثمانية عندما ارسلت إلى أفريقيا الجنوبية في عام 1862 العالم الإسلامي المعروف أبو بكر أفندي مبعوثا من السلطان العثماني عبد العزيز الثاني، بهدف تعليم الفقه والشريعة الاسلاميتين وفض بعض النزاعات الدينية التي قسمت المجتمع. وألف كتابا قيما في الارشاد الديني في الاسلام كتبه باللهجة الهولندية المحلية لشعب الملايو، وقد استهدف الكتاب المجتمع المسلم في جنوب افريقيا.
ويمكن القول ان تركيا اتجهت نحو فتح صفحة جديدة في العلاقات مع قارة افريقيا في عام 1998 عندما أعدت الدوائر المختصة بالتخطيط ورسم السياسة الخارجية لتركيا، ما عُرف بـ”خطة الانفتاح على أفريقيا”. وأعدت مستشارية التجارة الخارجية في الجمهورية التركية في بداية عام 2003 “استراتيجية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية”، وكذلك أعلنت الجمهورية التركية العام 2005 “عام أفريقيا”، وفي آذار مارس عام 2005، قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية إلى أفريقيا الجنوبية، ليكون أول رئيس تركي يزور بلدًا أفريقيًا. وكانت هذه الزيارة نقطة تحول مهمة في علاقات الجانبين.
وشهدت السنوات اللاحقة تطورات مهمة في العلاقات حيث استضافت تركيا فى أغسطس 2008 “قمة التعاون الأفريقى- التركى” وفى خطوة مهمة أعلن الإتحاد الأفريقى فى ذات السنة تركيا شريكا إستراتيجيا له.
وإنطلاقا مما تقدم، سعت تركيا لنيل العضوية فى بنك التنمية الأفريقي وصندوق التنمية الأفريقي، وهو ما تحقق لها فى مايو 2008، وأصبحت فى المرتبة الخامسة والعشرين فى عضوية الدول من خارج القارة، كما تصاعدت بوتيرة متسارعة المساعدات التنموية التى تقدمها تركيا للقارة السمراء، عبر مشاريع مختلفة والإستثمارات والتبادل التجاري.
وعلى الصعيد الإنسانى تعتبر تركيا من “المانحين الجدد” وهي الدول التى تقدم مساعدات بصورة متنامية فى الساحة الدولية لاسيما فى المجال الإنسانى، وبما أن القارة الأفريقية يعرف عنها الأزمات والكوارث الإنسانية التى لا تكاد تفارقها فقد كان نصيبها كبيرا من المنح التركية، حيث أنفقت تركيا 3.3 بليون دولار على عمليات الإغاثة في إفريقيا سنة 2014، ما يجعلها ثالث أكبر داعم للعمليات هناك خلال العامين 2013 و2014. كما أن المساعدات التركية الحكومية لدول صحراء أفريقيا، ارتفعت إلى 782.7 مليون دولار في 2013.
وجاءت زيارة الرئيس التركي رجب اردوغان في فبراير الماضي الى غانا ونيجيريا وغينيا ضمن سياسة تعميق العلاقة الاستراتيجية مع الدول الافريقية حيث تم توقيع عدة اتفاقيات في مجالات مختلفة.
تأثير مباشر
لم يقتصر تأثير السياسة التركية الجديدة نحو قارة افريقيا على الجوانب السياسية والاقتصادية فقط، بل امتد تأثيرها ليغير بشكل مباشر وكبير واقع حياة الكثير من الافارقة. لقد كلفت الحكومة التركية وكالة التعاون والتسيق التركية (تيكا) بهذه المهمة، أُسست في عام 1992 لتطبيق السياسة الخارجية التركية تجاه دول محددة لديها عوامل مشتركة مع تركيا أبتداءً بالجمهوريات التركية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي 1991 وصولا الى دول القارة الافريقية. حيث فتحت (تيكا) في عام 2005 أول مكتب لها فى القارة فى إثيوبيا، ومن ثم توسع نشاط هذه الهيئة في دول قارة افريقيا ليصل عدد مكاتبها الى 11 مكتب، وتضمن نشاط الهيئة عدة جوانب مثل التعليم حيث توفر 1000 منحة سنويا للشباب الأفارقة، ويدرس حاليا ما يقارب 5000 آلاف طالب في الجامعات التركية. وعسكرياً قامت تركيا بتدريب مايقارب 2200 عسكري أفريقي على أراضيها لغاية سنة 2014 وستستقبل 1200 عسكري للتدريب خلال السنة الجارية. وكذلك اهتمت (تيكا) بالجانب الصحي وحفر ابار المياه والصرف الصحي والبنية التحتية والزراعة وأمور اخرى تخص الاثار.
وأخيرا لابد من الاشارة الى التبادل التجاري التركي مع القارة الافريقية حيث تطورت العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري في السنوات الأخيرة. فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول الواقعة في جنوب الصحراء الأفريقية من 742 مليون دولار في عام 2000 إلى 3 مليار دولار في عام 2005 وإلى 5.7 مليار دولار في عام 2008، وبلغ حجم التبادل التجاري مع كافة الدول الأفريقية 9 مليار دولار في عام 2005 و15.876 مليار دولار في عام 2009 و15.710 مليار دولار في عام 2010 ووصل الى 25 مليار دولار عام 2015.
وتهدف تركيا في المرحلة القادمة إلى رفع إجمالي حجم التبادل التجاري مع الدول الواقعة في جنوب الصحراء الأفريقية إلى 50 مليار دولار.
مظفر مؤيد العاني
موقع تركيا بوست