شهدت منطقة الشرق الأوسط إجراء مناورات عسكرية عديدة خلال الأعوام الأخيرة، كان لافتًا اتساع نطاق المشاركة فيها لتضم أطرافًا دولية عدة، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء تصاعد حدة التهديدات التي تواجهها تلك الدول، والتي يأتي في مقدمتها تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية المسلحة، واستمرار التأثيرات السلبية للسياسات الإيرانية التي تهدد استقرار بعض الدول، فضلا عن تفاقم مخاطر تدفقات اللاجئين إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، دون أن ينفي ذلك أن لكل دولة مشارِكة أسبابها ودوافعها الخاصة في هذا السياق.
مناورات عديدة:
شاركت في المناورات العسكرية التي أجريت في الأعوام الأخيرة كافة الأسلحة الحربية، سواء القوات البرية أو الجوية أو البحرية، ويأتي في مقدمتها مناورة “كليوباترا 2014″، التي شارك فيها عدد من الوحدات البحرية المصرية بالتعاون مع القوات البحرية الفرنسية لعدة أيام في المياه الإقليمية الفرنسية للمرة الأولى في تاريخ التعاون العسكري بين الطرفين. وفي العام ذاته شاركت القوات المصرية مع نظيرتها الإماراتية في مناورة عسكرية أطلق عليها “زايد 1”.
كما شهد شهر يونيو عام 2015 مناورة عسكرية مصرية-روسية تسمى “جسر الصداقة 2015″، وشارك فيها عدة قطع بحرية من الجانبين. وفي مارس 2016، انطلقت مناورات عسكرية مشتركة بين مصر وفرنسا باسم “رمسيس 2016” في إطار التعاون العسكري المشترك بين البلدين، وشاركت فيها وحدات من القطع البحرية المصرية والفرنسية.
كما شهد شهر مارس الحالي انطلاق مناورة عسكرية بحرية تُسمى “تحية النسر 2016” بمشاركة كل من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والإمارات في المياه الإقليمية بالبحر الأحمر في إطار الخطة السنوية للتدريبات المشتركة، حيث تضمنت تنفيذ العديد من الأنشطة البحرية المشتركة، لا سيما أعمال الاستطلاع البحري، وتنفيذ تشكيلات الإبحار لاتخاذ الأوضاع الهجومية والدفاعية والتعامل مع الأهداف المعادية.
ولعل المناورة الأضخم التي شهدتها المنطقة، تتمثل في مناورة “رعد الشمال” التي انطلقت في مارس الجاري أيضًا بمشاركة 20 دولة من الشرق الأوسط، أهمها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر وباكستان؛ حيث تُعد التدريب العسكري المشترك الأكبر في المنطقة، وقد شاركت فيها تشكيلات واسعة من القوات والدبابات والمدرعات، علاوة على المقاتلات والمروحيات.
سمات جديدة:
تتسم المناورات العسكرية الجديدة التي أجريت في الفترة الأخيرة بعدد من السمات، التي يتمثل أهمها في:
1.الكثافة العددية وتقارب الفترة الزمنية بينها: يعد عام 2016 من أكثر الأعوام التي شهدت فيها المنطقة إجراء مناورات عسكرية، فبعد مرور ما لا يزيد عن ثلاثة أشهر تم إجراء ثلاث مناورات عسكرية، هي “رمسيس 2016″، و”تحية النسر 2016″، و”رعد الشمال”، وهو ما يعد رقمًا كبيرًا إذا ما قورن بالأعوام السابقة. كما كان هناك تقارب شديد في الفترة الزمنية بين تلك المناورات، وهو ما يُمكن تفسيره في إطار تصاعد حدة التهديدات التي تواجهها دول المنطقة المشاركة في المناورات.
2. شمولية القوات والمعدات المستخدمة فيها: لم تعد المناورات تستخدم أسلحة محدودة العدد والنوعية، بل باتت تشارك فيها كافة التشكيلات العسكرية، سواء كانت مقاتلات جوية ومروحيات، أم قطعًا بحرية، أم قوات برية، خاصة الدبابات والمدرعات، وهو ما قد تجلى وبوضوح في مناورات “رعد الشمال” التي وُصفت بأنها الأضخم، ليس فقط من حيث عدد الدول التي شاركت فيها، وإنما أيضًا من حيث شمولية القوات التي شاركت فيها.
3.تغير نوعية الأهداف الموجهة إليها: خلافًا لما كان سائدًا، يبدو أن الأطراف القائمة على إجراء وتنظيم هذه المناورات العسكرية أدركت طبيعة التغير الملحوظ في نوعية التهديدات التي تواجهها، حيث حلت التنظيمات الإرهابية في المرتبة الأولى في هذا السياق. ومن ثم فقد بدأت الدول في تحديد أهداف جديدة لتلك المناورات، إذ باتت حروب الصحراء والعصابات التي تتبناها التنظيمات الإرهابية في مقدمة أهداف هذه المناورات، وهو ما انعكس في تأكيد العميد أحمد عسيري المستشار في مكتب وزير الدفاع السعودي والمتحدث باسم قوات “التحالف العربي”، على أهمية التدريبات العسكرية في مناورات “رعد الشمال” “لمعرفة مدى جاهزية القوات التي تهدف إلى ردع كل ما يمس أمن الدول المشاركة ومحاربة الميليشيات والعناصر الإرهابية في المنطقة”.
4.عناصر مشتركة في المناورات: تعتبر مصر إحدى أكثر الدول مشاركة في هذه المناورات العسكرية، وهو ما يمكن تفسيره نسبيًّا في ضوء الخبرة العسكرية المتقدمة للجيش المصري في مواجهة ليس فقط الجيوش النظامية، وإنما أيضًا التنظيمات الإرهابية.
5.مشاركة أطراف دولية جديدة في المناورات: قبل عام 2014، لم يكن الشرق الأوسط والبحر المتوسط من مناطق اهتمام بعض الدول مثل فرنسا وروسيا فيما يخص إجراء مناورات عسكرية، لكن يبدو أن استهداف التنظيمات الإرهابية لمصالح هذه الدول خلال الفترة الماضية، دفعها للمشاركة سواء في المناورات العسكرية أو في التحالفات الدولية العسكرية بغرض القضاء على التنظيمات الإرهابية للحيلولة دون وصولها إلى عمق أراضيها.
أسباب مختلفة:
عت حزمة من الدوافع والأسباب بعض دول المنطقة لإجراء مناورات عسكرية أو المشاركة فيها، وترتبط باتساع نطاق التهديدات التقليدية وأيضًا غير التقليدية. فعلى صعيد التهديدات التقليدية، تنامت بشكل ملحوظ بعض المخاطر المشتركة للدول، لا سيما التنظيمات الإرهابية، التي تسعى إلى استهداف مصالحها بشكل مستمر. كما تزايدت التأثيرات السلبية للسياسات الإيرانية في المنطقة، وهو ما دفع كثيرًا من الدول إلى تكثيف مشاركتها في تلك المناورات بهدف توجيه تحذيرات غير مباشرة لطهران.
فضلا عن ذلك، دفعت مهددات الأمن غير التقليدية أيضًا بعض الدول، خاصة الأوروبية، للاتجاه نحو تكثيف المشاركة في المناورات العسكرية، مثل تزايد مخاطر تدفق اللاجئين عبر البحر المتوسط، لما له من آثار سلبية على حالة الأمن المجتمعي في تلك الدول.
وفي النهاية، يمكن القول إنه على الرغم من وجود دوافع خاصة بكل دولة على حدة للمشاركة في المناورات العسكرية التي تجرى في المنطقة، إلا أن تصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية واستهدافها لعمق بعض هذه الدول يمثل العامل الأهم لدى جميع الأطراف، التي باتت تضع محاربة تلك التنظيمات على قمة أولوياتها.
المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية