تغنى الامريكيون قبل الحرب على العراق للاطاحة بصدام حسين بشعارات كثيرة عن العراق «الجديد» الذى سوف يجعلون منه «نموذجا» للديمقراطية فى تلكالمنطقة التى لاتعرف سوى حكم الاستبداد والقهر سواء كان حكامها رؤساء «ثوريين» او ملوكا وامراء رجعيين. ولكن انظر الآن الى العراق البائس وحال العراقيين الذين تمزقهم الصراعات القبلية والطائفية والعرقية ويكاد ينقسم الى نحو خمس دول دولتان لفصائل الشيعة المتناحرة ودولة للسنة واخرى للاكراد وخامسة لـ «داعش»! وها هى عراق الحضارة والتاريخ يسكنها اليوم الخوف والشكوك وتتلظى بنيران الصراعات بين القوى والميليشيات السياسية وتصارع القيادات الدينية قبل السياسية على المناصب والمصالح والنفوذ والثروة حتى لو كان على جثة الوطن، وبدا وكأن العراق الذى عانى القهر والذل والظلم من نظام صدام الجائر قد انفجر مثل البركان الهادر وكل فئة وطائفة وعرقية عانت ترغب ليس فقط فى اقتناص قطعة من «كيكة» الثروة والنفوذ وتعويض ما ذاقته على يد نظام الدكتاتور وانما الانتقام من هذا الوطن الذى ظلمها وقهرها فى الماضي!، ثم ظن العراقيون انه بالخلاص من الدكتاتور ان فجر الحرية والديمقرطية قد حان كما بشر الامريكيون قبل الحرب على صدام، وان «العراق الجديد» سيكون نموذجا لسائر دول المنطقة التى لم تعرف ولم تذق طعم الحرية والديمقراطية من قبل، ولم يخطر ببال احد ان العراق ذكما هو الآن ـ سيكون نموذجا لنظرية الفوضى الخلاقة فى المنطقة ومثالا عمليا لسياسة تفتيت دول العالم العربى الى كيانات عرقية او مذهبية او دينية صغيرة لا اهمية لها ولا نفوذ!
فهاهو مقتدى الصدر الزعيم «الشيعى» يقف ضد رئيس الوزراء «الشيعى» حيدر العبادى ويقود التصعيد السياسى ضده للاطاحة به، ولم يتوقف التصعيد فى العراق عند حد العبادى وانما ارتفعت وتيرة التصعيد بمطالبة الكتل الشيعية للاطاحة بـ «سليم الجبورى» رئيس البرلمان وحاولوا عقد جلسة «اعتصامية» بمقر البرلمان لانتخاب رئيس اخر!
كل هذا العبث السياسى يحدث من «النخبة» السياسية فى الوقت الذى يحارب فيه الجيش العراقى عصابات داعش المسلحة فى شمال وشرق البلاد ويحاول استعادة البلدات التى يحتلها هذا التنظيم الارهابى. وهكذا يقف عراق اليوم على حافة التقسيم الفعلى او انهيار الدولة بعد سقوط مؤسساتها حتى اصبح نموذجا لـ «ديمقراطية الفوضى» الامريكية التى ادخلتها الى عراق ما بعد 2003.
منصور أبو العزم
صحيفة الأهرام المصرية