كان من المفترض أن يكون تحرير الفلوجة من قبل القوات الحكومية العراقية تحريرًا لسكان المدينة السنية من همجية القمع الذي عانوه على يد تنظيم الدولة، بعد سنتين من العيش في رعب الإعدامات بإجراءات موجزة ينفذها التنظيم وفق تفسيره لمفهوم الشريعة. فقد اشتاقت المدينة التي يقطنها قرابة 50 ألف سني إلى أن تحرر من حبس المتطرفين؛ الذين وجهوا مسدساتهم ضد كل شخص يفكر في الهروب من المدينة.
ولكن مع بداية الحملة، وجد سكان الفلوجة أنفسهم في مواجهة تهديد خطير يساوي الخطر الأول؛ وهو الانتقام الإيراني على يد الميليشيات الشيعية. فعمق الكراهية بين السنة والشيعة عانت منه العراق منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الأولى، عندما أعطى السير يرسي كوكس، مدير “مكتب المستعمرة” وقتها، امتيازات مهمة للأقلية السنية على حساب الأغلبية الشيعية، واستمر عدم التوازن السياسي حتى سقوط صدام حسين الدكتاتور السني سنة 2003.
ومنذ ذلك الوقت والشيعة يحققون تقدمًا على حساب السنة، ونتيجة لهذا وجهوا أعمالًا وحشية ضد المدنيين السنة في الفلوجة عوض تركيز كل جهدهم في محاربة تنظيم الدولة؛ الهدف المفترض من هجوم الحكومة العراقية على المدينة.
تقول التقارير إن أكثر من 300 مدني سني أعدم على يد الميليشيات الشيعية التي حاصرت الضواحي السنية في شمال الفلوجة بداية هذا الأسبوع. كما أظهر مقطع فيديو معاملة مسلحين شيعة لبعض الناجين السنة في أحد مستشفيات العراق، فكانوا يعتدون عليهم بالهراوات والمجارف. كما صرّح بعض السنة أنهم أجبروا على شرب بولهم عندما يطلبون بعض الماء.
عوض الاحتفال بتحرير مدينتهم، وجد السكان أنفسهم في معضلة كبيرة؛ إما أن يتعرضوا لخطر الإعدام على يد تنظيم الدولة إن حاولوا الهروب أو على يد الميليشيات الشيعية إن سلموا أنفسهم.
نظرًا للعداء التاريخي بين السنة والشيعة في العراق، فلا يجب علينا التعجب من انغماس الميليشيات الشيعية في الأعمال الانتقامية الوحشية ضد الأسرى من السنة. وقع الشيء نفسه السنة الماضية عندما ساعدت الميليشيات الشيعية في تحرير تكريت، مسقط رأس صدام حسين، من عربدة وأعمال عنف ونهب.
كما أن مشاركة الميليشيات الشيعية للقوات التي يقودها التحالف بقيادة أمريكا، عبر توفير الغطاء الجوي للقوات الحكومية العراقية ضد تنظيم الدولة، يمثل مشكلًا كبيرًا.
كما أثبت الاتفاق النووي المثير للجدل الذي عقده أوباما مع إيران أن طهران تواصل تقويض الجهود الغربية لتحقيق بعض الاستقرار في الشرق الأوسط؛ فالميليشيات الشيعية التي ترهب وتروع السكان السنة في الفلوجة قد دربت وجهّزت ومولت مباشرة على يد إيران.
من المؤكد أن سلوكهم هذا محرج جدًا لإدارة أوباما التي راهنت على أن رفع العقوبات على إيران في يناير/ كانون الثاني سيسمح للغرب بتعزيز علاقاته مع طهران. ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، وهذا ما أقره التقرير السنوي لوزارة الخارجية حول الإرهاب العالمي.
عوض رؤية إيران تحسن سلوكها بعد الاتفاق النووي، يقول التقرير بشكل صارخ إن إيران ما زالت “قبل كل شيء راعية الإرهاب.. عبر توفير الدعم المادي والتقني والمعدات الحربية للمجموعات الإرهابية حول العالم”.
أغلب هذه المجموعات موجودة في سوريا والعراق، عوض أن توجه سلاحها ضد المتطرفين المنتسبين لتنظيم الدولة، فهي تركز حربها ضد المعارضة السنية المعتدلة المدعومة من قبل الغرب.
على أمل أن تتسلم طهران 150 مليار دولار بعد رفع العقوبات بهدف إعادة إعمار البنية الأساسية للدولة بعد عقود من التدهور، أعلنت إيران الشهر الماضي أنها زادت من ميزانية الجيش بنسبة كبيرة تساوي 90 بالمائة، حركة من شأنها أن تربك جيرانها السنة وتقضي على الاستقرار في المنطقة.
لم تكتفِ إيران عند دورها الواضح في الشرق الأوسط؛ فقد أسهم الضغط الإيراني المكثف هذا الأسبوع على الأمم المتحدة في وضع السعودية قائدة التحالف في اليمن في القائمة السوداء بعد اتهامها بقتل الأطفال.
ولكن التقرير يتجاهل بشكل كلي أن الحرس الثوري الإيراني، الذي يدعم الحوثيين ضد الحكومة اليمنية المنتخبة بشكل ديمقراطي، قد استخدم المدنيين العديد من المرات كدروع بشرية. وهو الأمر الذي أسهم عمدًا في ارتفاع عدد القتلى من المدنيين. هذا التعارض الواضح جعل الأمم المتحدة تتراجع في قرارها وتحذف السعودية من القائمة السوداء.
بالمختصر، فإن إيران أسوأ من تنظيم الدولة عندما نتحدث عن سوء معاملة المدنيين، سواءً في اليمن أو في ضواحي الفلوجة. وإن كان الغرب جادًا في القضاء على تنظيم الدولة فعليه أن يقوم بهذا دون مساعدة إيران ولا وكلائها من الشيعة الهمجيين.
التلغراف – التقرير