تلقي هيلاري كلينتون ودونالد ترامب خطباً يبسطان فيها رؤيتهما حول الأمن القومي ويرسمان الخطوط العامة للجدل بشأن السياسة الخارجية. وفي السباق إلى منصب الرئيس (وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة) تخوض هيلاري حملتها كشخصية دولية من يمين الوسط، بينما يخوض ترامب حملته كيساري من مؤيدي العزلة الأميركية. وخطبة هيلاري المحورية عن الأمن القومي في سان دييجو بولاية كاليفورنيا الأسبوع الماضي صيغت في جانب منها كي تجذب المحافظين المناهضين للرجل. وجادلت هيلاري بأنها المرشح الوحيد الذي يفهم أنه «ما لم تتول أميركا القيادة فإنها تترك فراغاً» سيهرول منافسونا لملئه. ووعدت بأن تواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجهاً لوجه، ناهيك عن أنها كانت مهندس «إعادة ضبط» العلاقات مع روسيا. ووعدت بأن «نبقى إلى جانب حلفائنا»، رغم أنها الشخص الذي تخلى عن بولندا وجمهورية التشيك بسحب خطط نشر الصواريخ البالستية بعد أن وافقت هاتان الدولتان على التصدي لروسيا واستضافة هذه الصواريخ. وأكدت في خطبتها أيضاً أنها الشخص الذي «ينصت إلى جنرالاتنا» رغم أنها لم تحرك ساكناً بينما كانت إدارة أوباما تسحب قواتها من العراق ضد نصيحة جنرالاتنا مما مهد الطريق لـ«داعش».
وبالنسبة للمحافظين المتشككين في سجلها الوظيفي، قدمت هيلاري إجابة مفادها أن ليس لديهم بديل؛ لأن ترامب «طباعه غير ملائمة»، ليصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة. وأشارت إلى «ميله إلى الطغاة» متناسية أنها وصفت الطاغية السوري بشار الأسد ذات يوم بأنه «إصلاحي»، وقالت عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك وزوجته بأنهما من «أصدقاء أسرتي». وأعلنت هيلاري أن رؤية ترامب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية «غير متسقة بشكل خطير». وقدمت حججاً قوية لتقنع الجمهور بأنها أفضل خيار إذا كانوا يؤمنون بتدخل أميركا في العالم.
وفي الوقت نفسه، يخوض ترامب السابق إلى يسار هيلاري في الشؤون الدولية، في مسعى للفوز بتأييد أنصار السناتور بيرني ساندرز منافس هيلاري في الانتخابات على ترشيح الحزب الديمقراطي. ويعتقد ترامب أنه يستطيع الاستفادة من الأقلية المتنامية من أنصار العزلة وعدم التدخل، في الحزب الجمهوري، بينما يوسع دعمه في اليسار بترديد السياسات بل ولغة المتسابق الاشتراكي الديمقراطي في الشؤون الخارجية. ورد ترامب على هيلاري بإعلانه أنه «الشخص الذي لم يذهب إلى الحرب على العراق، وأنها مَن رفع بغباء يده تأييداً للذهاب إلى العراق وزعزعة استقرار الشرق الأوسط برمته». إعلان ترامب هذا لا يختلف تقريباً عن قول ساندرز بفخر: «لقد صوت ضد الحرب في العراق.. وصوتت الوزيرة هيلاري لتأييد الحرب. وكانت تشعر بالفخر لتورطها في تغيير النظام الحاكم في ليبيا».
وترامب يشن حملته أيضاً على أساس وعد الانسحاب من الشرق الأوسط حتى يمكننا إنفاق المال هنا داخل الولايات المتحدة. ويؤكد أننا «أنفقنا أربعة تريليونات دولار في محاولة الإطاحة ببعض الأشخاص.. لو أننا أنفقنا هذه التريليونات الأربعة في الولايات المتحدة لإصلاح طرقنا وجسورنا ومطاراتنا وكل مشكلاتنا الأخرى.. لكان حالنا أفضل بكثير». وهذا ما قاله ساندرز حين أعلن أننا «ننفق أربعة تريليونات دولار على حرب العراق.. بينما ما كان يجب استثمار هذا المال في جسورنا وطرقنا وأنظمة الصرف ومحطات معالجة المياه».
وترامب حريص على ألا يبعد كثيراً عن قاعدة الحزب الجمهوري المتشددة، التي يدعم 75٪ منهم إرسال قوات برية لقتال «داعش» في العراق وسوريا، ويرى 90٪ منهم أن نهج الرئيس أوباما في معالجة الإرهاب يفتقر للجرأة المطلوبة. ولذا يعد ترامب «داعش» بالويل والثبور وبتعذيب الإرهابيين المعتقلين واستهداف أسرهم وإعادة بناء الجيش.
ترامب يعتقد أنه يستطيع الفوز بنحو 40٪ من ناخبي ساندرز في انتخابات نوفمبر، بينما تعول هيلاري على الفوز بالجمهوريين الذين تعنيهم قيادة دولية مسؤولة. فكل واحد منهما يحاول اجتذاب أنصار من حزب منافسه. لكن كي يصوت الجمهوريون لهيلاري يتعين عليهم التغلب على احتقارهم لسجلها الكارثي من بنغازي إلى صعود «داعش». وكي يصوت أنصار ساندرز لترامب، يتعين عليهم التغلب على اشمئزازهم من تأييد ترامب لطريقة التعذيب بمحاكاة الغرق للمشتبه في أنهم إرهابيون وبناء جدار على الحدود مع المكسيك. وهذا قد يكون عبئاً أثقل من أن يحتمله كثيرون في المعسكرين.
مارك إيه. تايسين
نقلا عن جريدة الاتحاد