لا يبدو أن النصر الذي تحققه القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في مدينة سرت على تنظيم داعش سينقل المشهد الليبي إلى وضع أفضل، وربما يقود إلى المزيد من الخلافات بشأن شرعية المؤسسات، وخاصة ما تعلق بفتح التراب الليبي أمام التدخل العسكري المباشر.
وحذر مراقبون ومحللون سياسيون من أن هذا النصر المهمّ قد يشعل الخلافات بين حكومة الوفاق والجهات الداعمة لها من ناحية وبين المؤسسات الشرعية في الشرق وداعميها من ناحية ثانية.
وأحكمت القوات الموالية للحكومة سيطرتها على المرافق الرئيسية في سرت بعدما نجحت في استعادة ميناء المدينة، وأحبطت السبت هجوما لداعش حاول خلاله الدخول مجددا إلى الميناء.
وبعد نحو شهر على بداية العملية العسكرية الهادفة إلى استعادة المدينة (450 كلم شرق طرابلس)، أصبح التنظيم محاصرا في منطقة تمتد بين وسط المدينة الساحلية وشمالها، بحسب ما تؤكد القوات الحكومية.
ولا تخفي تصريحات فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق، الثقة المبالغ فيها بشأن تحول حكومته إلى أمر واقع، وأن على الجميع الاعتراف بها قبل فتح باب التعاون والحوار معها.
والإحساس المبالغ فيه بالثقة قد يفتح على حكومة الوفاق غضب أطراف مهمة في المشهد بينها نواب البرلمان الشرعي الذين يعقدون الاثنين والثلاثاء اجتماعا لإعطائها الثقة، أو الاستمرار برفض دعمها ما لم تلتزم بما جاء في اتفاق الصخيرات.
وأشار المراقبون إلى أن كتلة هامة من النواب ما تزال رافضة لمسألة إضفاء الشرعية على حكومة الوفاق رغم الضغوط الداخلية والخارجية التي تمارس عليهم، وعلى رئيس البرلمان عقيلة صالح.
وتعتبر مؤسسة الجيش وقائد القوات المسلحة الفريق أول خليفة حفتر نقطة الخلاف بين البرلمان وحكومة الوفاق التي تريد تعويم المؤسسة العسكرية وإغراقها بالثوار الذين كانوا ينشطون تحت لواء ميليشيا فجر ليبيا.
كما أنها لا تريد الاعتراف بحفتر على رأس الجيش، وتطلب منه الاعتراف بها أولا قبل البتّ في صفته ودوره في المستقبل.
ويوسع هذا الغموض من دائرة التخوفات في الوسط الليبي ليس فقط لدى أنصار الشرعية وداعمي وحدة الجيش، ويشمل الأمر هنا ممثلي القبائل الليبية الذين يعتبرون أن الرهان على ثوار مصراتة في استعادة سرت قد يقود إلى تحويل الميليشيات إلى جيش رسمي، وإطلاق يد فجر ليبيا وداعميها من الخارج وخاصة تركيا.
ومن الواضح أن حكومة الوفاق سعت إلى تحجيم دور حفتر وتهميش الجيش الوطني الذي يقاتل لوحده شرقا تنظيم داعش ومجموعات متشددة أخرى، مستفيدة من دعم دول غربية يهمها ضرب داعش ولا تعنيها مخلفات استمرار الخلافات الداخلية.
وعينت حكومة الوفاق قائدا آخر من الشرق هو مهدي البرغثي كوزير للدفاع. ويسعى الوزير الجديد لسحب التأييد الذي يتمتع به حفتر. وفي الأسبوع الماضي أعلنت وحدتان عسكريتان في بنغازي مساندتهما لحكومة الوفاق.
وقال بريت ماكغورك الموفد الخاص للرئيس الأميركي باراك أوباما لدى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش إن بلاده “هي حتما مستعدة للعمل مع الجنرال حفتر تحت رعاية حكومة وحدة وطنية”. لكنه استدرك قائلا إن “موقفنا واضح جدا: أيّ فريق مسلح موجود على الأراضي الليبية يجب أن يعترف بسلطة هذه الحكومة المدنية”.
وحذّر خبراء من أن دعما خارجيا لجهة ليبية ضد جهة أخرى قد يعقّد الوضع ويقود إلى المزيد من الانشقاق والصدام بين الليبيين.
وقالت إميلي إيستيل الخبيرة في شؤون شمال أفريقيا والشرق الاأسط في معهد “أميركان أنتربرايز” إن كل الأطراف المسلحة الرئيسية تستخدم الهجوم على داعش “ذريعة للسيطرة على مزيد من الأراضي. وتواجدها معا في وسط ليبيا قد يهدد بإشعال حرب أهلية”.
وأضافت أن القوات التي تهاجم داعش في سرت من جهتيها الغربية والجنوبية “هي عبارة عن ميليشيات تتحدر من مصراتة تضم نحو ألفي عنصر”، لافتة إلى أن التحدي الأبرز في مرحلة ما بعد “تحرير سرت” يتمثل في العمل على نزع السلاح من الجماعات التي تتمسك به.
ولا يستبعد المتابعون للشأن الليبي أن تبدأ الخلافات داخل التحالف الداعم لحكومة الوفاق بعد حسم معركة سرت، خاصة أن كل طرف سيعتبر نفسه صاحب الدور الأكبر في طرد داعش ومن حقه الحصول على امتيازات أفضل داخل الحكومة وفي مؤسسة الجيش، فضلا عن المقابل المالي.
واعتبروا أنه كان على الدول الغربية أن تدفع حكومة السراج إلى التريث للحصول على دعم البرلمان والاعتماد على مؤسسة الجيش في الحرب على داعش بدل الرهان على مجموعات مسلحة سرعان ما تعود إلى رفع السلاح في وجه بعضها البعض لأتفه الأسباب.
وقال ماتيا توالدو، وهو محلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الأهداف المشتركة في الوقت الراهن مثل هزيمة داعش وتقليص نفوذ حفتر دفعت كتائب مصراتة والبرغثي وحرس المنشآت النفطية للتعاون.
وأضاف قائلا “بالمعايير الليبية فإن ما يحدث يمثل درجة تنسيق استثنائية.. إنه تنسيق بين أطراف كانت تحارب بعضها البعض قبل عام واحد”.
صحيفة العرب اللندنية