تعرضت تركيا لهجوم إرهابي آخر أيضاً يوم الثلاثاء الماضي، وهذه المرة على بوابتها إلى العالم. فقد تعرض مطار أتاتورك في إسطنبول، وهو الأكبر في البلاد بمعدل أكثر من 160.000 راكب يومياً، لهجوم شنه انتحاريون مسلحون ببنادق آلية. وحصد الهجوم في محصلته الأولية أرواح نحو 41 شخصاً وجرح ما يقرب من 240 شخصا، والحصيلة مرشحة للارتفاع.
وعلى غرار الهجمات التي شُنت في مطار بروكسل في شهر آذار (مارس) الماضي، أشارت تقديرات السلطات التركية إلى أن الهجوم كان من عمل مجموعة “داعش”. وبذلك يرتفع إجمالي عدد القتلى الذين أوقعتهم هجمات المجموعة في البلاد إلى أكثر من 200 شخص، بالإضافة إلى إصابة العشرات بالجراح والصدمة.
وكان هذا أيضاً هو ثالث هجوم كبير يتصل بمجموعة “داعش” في إسطنبول، المركز المالي والسكاني للبلاد، منذ كانون الثاني (يناير) من العام الحالي. وبينما لم يتم الكشف عن هوية المهاجمين حتى كتابة هذا المقال، فإن “داعش” يعتمد في المقام الأول على المواطنين الأتراك الذين قاتلوا في صفوفه في سورية، لكنه استخدم أيضاً عناصر خارجية لضرب تركيا.
كما يؤشر هذا الهجوم أيضاً على هدف جديد أضافه “داعش” إلى قائمة أهدافه في تركيا؛ فقد استهدف التنظيم في السابق التجمعات السياسية والاحتجاجات والسياح والبلدات الحدودية، وقوات الأمن التركية. وتنوعت هجمات “داعش” في تركيا على أساس أهدافه. ففي الهجمات المتركزة محلياً، اختار هذا التنظيم ضرب العاصمة والمدن الكردية الحساسة بهدف إذكاء التوترات الداخلية وإضعاف الثقة في الحكومة.
وفي الهجمات التي هدفت إلى تأكيد قوته في بلاد الشام، اختار التنظيم ضرب المدن الحدودية لفتح جبهة جديدة مع تركيا، واستفزاز البلد لضرب أهداف “داعش” وتقويض التوازن القلِق للجهود التي تقودها روسيا والولايات المتحدة. وفي هجماته ضد الوجهات السياحية في إسطنبول، حاول التنظيم إضعاف صورة تركيا واقتصادها، وكذلك إرسال رسالة دولية يعرض فيها قدراته وتطوره بينما يخسر المزيد الأرض في سورية والعراق.
لماذا تركيا؟
على الرغم من أن “داعش” نفذ هجمات كبيرة في أوروبا، فإن نشاطه المتزايد في الآونة الأخيرة في تركيا خلال العام الماضي، والذي تضمن شن ست هجمات انتحارية كبيرة وحملة صواريخ على مدار شهر، لا يحتمل المقارنة. ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل. ومنها أن طول الحدود البرية بين تركيا وسورية والعراق يمتد إلى أكثر من 1250 كيلومتراً، والتي ما يزال “داعش” يسيطر على جزء منها. وقد استخدمت المجموعة هذه الحدود لتهريب المسلحين والأسلحة والمعدات والموارد -ذهاباً وإياباً- طوال فترة الحرب الأهلية في سورية.
وبالإضافة إلى ذلك، تستضيف تركيا أكثر من 2.5 مليون لاجئ من البلدين، مع توفر قدرة محدودة على إجراء تحريات عنهم قبل السماح لهم بالدخول. وبالتخفي في زي اللاجئين، تمكن “داعش”، وكذلك جهات تابعة لحزب العمال الكردستاني كما يقال، من تهريب النشطاء والعناصر لشن الهجمات في تركيا.
وبالإضافة إلى ذلك، سمحت سياسة الباب المفتوح التي طبقتها تركيا على كل من اللاجئين والجماعات المتمردة التي تستهدف نظام الأسد منذ بداية الحرب الأهلية السورية، للعديد من الجماعات المسلحة، بما في ذلك الجهاديين، بإنشاء شبكات داخل البلاد. وفاقمت ذلك وقوع تركيا في مفترق الطرق بين جهاديي القوقاز وآسيا الوسطى، وكذلك جهاديي الدول الأوروبية، الذين يريدون الوصول إلى ميادين المعارك في سورية والعراق.
وبذلك، تكون تركيا هي البلد الأسهل وصولاً من بين الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، وتشكل هدفاً مثيراً لـ”داعش”. وفي حين سيتطلب دخول الدول الأوروبية الكبرى والولايات المتحدة من ناشطي “داعش” تدبر أمر المرور عبر الرقابة الصارمة في الحدود والمطارات، فسيكون من الأسهل بكثير ضرب السياح أو البعثات الدبلوماسية التابعة لهذه الدول في تركيا بدلاً من ذلك. وعلى هذا النحو، يتم الشعور الآن بخطر الجهاديين الأجانب العائدين بشكل أكثر حدة في تركيا.
على الرغم من أن تركيا صعدت استهداف شبكات “داعش” داخل البلاد ورفعت تدابير مراقبة الحدود، فإن من المحتمل أن تكون بعض هذه الشبكات، وصلات “داعش” مع المهربين الذين يعملون بالقرب من الحدود، قد تمكنت من النجاة وذهبت أبعد تحت الأرض. ولأنه ترتب على تركيا التعامل مع العديد من المنظمات الإرهابية الإسلامية المحلية والدولية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتعرض أعداد متزايدة من المواطنين الأتراك للنسخ المتطرفة من الإسلام، فقد استفاد “داعش” أيضاً من وجود مجموعة جاهزة من المجندين والمتعاطفين والشبكات الجهادية التي يمكن الوصول إليها.
خطوات أنقرة المقبلة
مع كل هجوم جديد، يعرض “داعش” قدراته ومدى فتكه، في حين يقوم بمعاقبة وإضعاف أعدائه سياسياً واقتصادياً. ويخدم كل هجوم إضافي في نشر رسالته إلى كل من المتعاطفين معه وأولئك الذين يخشونه في جميع أنحاء العالم. وبعد العديد من الهجمات الإرهابية الرئيسية التي نفذها “داعش” والعناصر التابعة لحزب العمال الكردستاني في تركيا خلال العام الماضي، يشكف هذا الهجوم الأحدث على مطار أتاتورك في إسطنبول مرة أخرى عن أوجه القصور التي تعاني منها أجهزة الأمن والاستخبارات في البلاد.
على الرغم من أن الإجراءات الأمنية في المطار التركي هي أكثر صرامة منها لدى نظيرات أنقرة من المدن الأوروبية، كان هذا الهجوم الأحدث مثالاً آخر على أن النموذج الراهن أو القدرات الموجودة في البلاد ليست كافية لمواجهة كل هذا العدد الكبير من التحديات التي تواجهها. وما يحتاجه البلد بشدة هو إجراء مراجعة شاملة لقدراته في هذه المجالات لمنع وردع والحد من الهجمات الإرهابية في المستقبل، وحشد المساعدة من شركائه وحلفائه في الغرب لتحقيق هذه الغايات.
دوروك أرغون
صحيفة الغد