تحاول إسرائيل تنشيط استثماراتها البترولية، بعد عقود من الإخفاق في هذا القطاع. وتشمل النشاطات الأخيرة، الاستكشاف في المياه البحرية وتطوير صناعة الغاز لتصبح محوراً صناعياً أساسياً في شرق المتوسط، والاستثمار في الأراضي المحتلة لعام 1967 على رغم خرق القوانين الدولية، وتأمين الطاقة المحلية وإمدادات آمنة، وتعطيل إمكان فرض حصار عربي لإمدادات الطاقة، وتحسين نوعية البيئة. ولكن، فتحت الاكتشافات الغازية البحرية صفحة جديدة في ملف الصراع العربي – الإسرائيلي نظراً للخلافات الحدودية مع لبنان ومصر والسلطة الفلسطينية. تشكل الاكتشافات الغازية في المنطقة الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية المحاذية لمياه لبنان وقبرص وقطاع غزة، النجاح الأكبر لهذه السياسة لحد الآن. فمحاولات اكتشاف الغاز في مياه البحر المتوسط، هي في عقدها الثاني. وكانت البداية خلال 1999 – 2000، بعد الاكتشافات في المياه المصرية. فقد اكتشفت الشركات الدولية حقلين صغيرين هما «ميري – ب» و «نوعا» قبالة ساحل عسقلان في المياه المحاذية لمياه السلطة الفلسطينية. وبدأ الإنتاج في 2004 من حقل «ميري – ب»، لكن يوشك الاحتياط أن ينضب. وتبدأ المرحلة الثانية مع اكتشاف حقل «تامار» قبالة ساحل حيفا. وبدأ الإنتاج من «تامار» خلال آذار (مارس) 2013 لتلبية الطلب الداخلي. كما يجري التخطيط لتطوير الحقل والتصدير منه مستقبلاً. وتبدأ المرحلة الثالثة في 2010 مع اكتشاف حقل «ليفاياثان» العملاق، المجاور للمياه القبرصية، إضافة إلى الحقول الصغيرة «شمشون» و «تنين» و «كريش» والحقل الأخير هو الأقرب للمياه اللبنانية.
واتضحت منذ هذه المرحلة، ملامح السياسة الغازية الإسرائيلية، وهي التركيز على تطوير الحقلين الضخمين «تامار» و «ليفاياثان» وتأجيل تطوير الحقول الصغيرة. والهدف هو تخصيص الأموال المتوافرة لتطوير الحقلين الضخمين. إذ تبلغ كلفة تطوير المرحلة الأولى لحقل «ليفاياثان» أكثر من ستة بلايين دولار نظراً لعمق قاع البحر. وبلغ عمق الحفر في حقل «تامار»، مثلاً، عمق 4500 متر تحت سطح البحر. وبدأت المرحلة الأخيرة منذ منتصف كانون الأول (ديسمبر) 2014، وشملت جملة خلافات سياسية داخلية حول مدى احتكار الشركات المكتشفة (شركة «نوبل إنرجي» الأميركية وشريكها المحلي «مجموعة ديليك») للإمدادات التي ستزود السوق الإسرائيلية، وما هو سعر الغاز على المدى الطويل، ومن ثم سعر الكهرباء. وأدت هذه الخلافات إلى صراعات ما بين الحكومة والأحزاب المعارضة، ومن ثم إلى نشوب خلافات حادة بين الشركات العاملة والحكومة. فقد رفضت الشركات إعادة النظر في الاتفاقات بعد الاكتشافات. وأدت هذه الفوضى إلى إعادة النظر في بعض العقود التصديرية للدول المجاورة، وتأخير تطوير حقلي «تامار» و «ليفاياثان». وقد جرت تسوية الكثير من هذه الخلافات، وينصب الاهتمام الآن على وجهات التصدير. فهل ستتجه الصادرات إلى الدول المجاورة، أم إلى السوق الأوروبية؟ أم إلى السوقين معاً؟
وهناك ظاهرة جديدة، هي الاستكشاف والإنتاج من المناطق المحتلة في 1967. نظرياً، لا يحق للاحتلال تملك المصادر الطبيعية، فدوره «إشرافي وإداري» على ثروات البلاد المحتلة، ولا يحق له التصرف فيها، طبقاً لاتفاقيات جنيف الرابعة. على رغم ذلك، بادرت شركة «جيفوت عولام» الإسرائيلية في 1994، بموافقة سلطات الاحتلال، الاستكشاف في حوض «مجد» على أراضي منطقة رنتيس (التي تبعد بضعة كيلومترات عن رام الله) في الضفة الغربية. وبلغ معدل الإنتاج أخيراً نحو 800 ألف برميل يومياً. كما هناك محاولة لاكتشاف النفط في منطقة الجولان المحتلة. فقد تشاركت شركة «جيني» الأميركية مع شركة «أفاك» الإسرائيلية لتأسيس شركة «جيني أويل أند غاز». ورئيس الشركة الإسرائيلية هو الصهيوني المتطرف الجنرال المتقاعد إيفي إيتام، رئيس الحزب «الديني – القومي» الذي انشق عنه لاحقاً وانضم إلى حزب «الليكود» الحاكم. أما شركة «أفاك» فلديها مجلس استشاري استراتيجي يتألف من ديك تشيني، نائب رئيس الجمهورية السابق، وجاكوب روتشيلد، وروبرت مردوخ، رئيس شركة «نيوز كوربوريشن» وصاحب أكبر إمبراطورية إعلامية عالمياً، وجيمس وولسي، المسؤول السابق عن وكالة الاستخبارات الأميركية، ولاري سامرز، وزير الخزانة الأميركي سابقاً، وبيل ريتشاردسون، وزير الطاقة الأميركي والسفير الأميركي لدى الأمم المتحدة سابقاً. ويحمل بعض هؤلاء المستشارين أسهماً في الشركة.
طبعاً، من المستغرب في الأحوال الاعتيادية أن تنضم أسماء مثل هذه لشركة مغمورة. وتشمل عمليات «جيني» حفر النفط الصخري في الولايات المتحدة والتنقيب عن النفط في منغوليا والجولان المحتل. وبدأت الحفر فعلاً في الجولان المحتل، على رغم معرفتها وعلم مجلسها الاستشاري الاستراتيجي، بكل وضوح، أن عملها في الجولان يخالف كل القوانين الدولية ويعقد الحلول المستقبلية للأزمة السورية. وتدعي الشركة أن الاحتياط في الجولان كاف لسد حاجات إسرائيل النفطية المستقبلية، على رغم أنها لم تبدأ الحفر، ومن ثم لا يمكن أن تعرف بدقة حجم الاحتياط. وعارضت منظمات المجتمع المدني الإسرائيلية الاتفاق عند توقيعه، لمناقضته القانون الدولي وخطورة التنقيب على البيئة. يشير اتفاق التعاون الإسرائيلي – التركي الأسبوع الماضي، إلى بدء المفاوضات لتصدير الغاز إلى تركيا وأيضاً استخدام تركيا كدولة ترانزيت لإيصال الغاز إلى أوروبا. وهذه سياسة تؤيدها الولايات المتحدة، بحسب تصريح سابق لوزير الخارجية جون كيري. وهي تكمل سياسة تصدير الغاز الإسرائيلي للأسواق العربية، التي تدعمها واشنطن علناً. ما يشير إلى تبلور منحيين للسياسة الأميركية، أولاً، أهمية ولوج الغاز الإسرائيلي أسواق الطاقة العربية. ثانياً، أهمية إضافة غاز شرق المتوسط للإمدادات إلى تركيا وأوروبا لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي، على رغم الفارق الكبير بين حجم احتياطات الغاز الروسية واحتياطات شرق المتوسط. كما تتأكد ظاهرة مشاركة الساسة الأميركيين الكبار في مجالس الشركات العاملة في إسرائيل. فإضافة إلى «جيني»، عينت «نوبل إنرجي» الرئيس السابق بيل كلينتون «لوبيست» (lobbyist) لها في واشنطن. ويتبين أيضاً، الدور المتزايد للغاز الإسرائيلي إقليمياً في ولوج قطاع الطاقة العربي واستخدام المنظومة الإسرائيلية للتصدير. هذان الأمران يدلان على الاهتمام المتزايد للغاز الإسرائيلي، وأهمية زيادة الاكتشافات كي تستطيع إسرائيل أن تلعب الدور المناط بها.