يُعتبر “مزاد العُملة الأجنبية” الذي استحدث بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان/إبريل عام 2003م، وتحديداً في العام 2004م من قبل البنك المركزي العراقي، يمثل شكلاً جديداً من أشكال الفساد الاقتصادي المرتبط بعملية غسيل الأموال في العراق، ونظراً لأهمية هذا الموضوع وتأثيره السلبي على الاقتصاد العراقي المنهمك فقد حصل مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية على وثيقة جديدة فيما يتعلق بمزاد العملة الأجنبية في العراق وصادرة عن ديوان الرقابة الاتحادي “دائرة تدقيق نشاط التمويل والتوزيع” والمرسلة إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء “دائرة شؤون اللجان” والمؤرخة في الرابع من شباط/فبراير عام 2015م. حيث كشفت اللجنة الفرعية السائدة عن نتائج تدقيق المعاملات “مزاد العملة الأجنبية لعام 2010م” في هذه الوثيقة عن آلية الفساد والاحتيال التي كانت تجري في مزاد العملة الأجنبية في العراق من خلال ملاحظاتها منها على سبيل المثال أن جميع استمارات بيع وشراء الدولار وطلبات الشراء مع جلسات مزاد بيع وشراء العملة الأجنبية هي نسخ مصورة وليست أصلية، و ملاحظتها أيضاً قيام بعض شركات التحويل المالي وشركات الصيرفة بشراء الدولار من مزاد العملة الأجنبية عن طريق أكثر من مصرف ولنفس جلسة المزاد الواحد. وملاحظتها أيضا بقيام اللجنة التنفيذية لبيع وشراء العملة الأجنبية بالموافقة على تحويل مبالغ لصالح زبائن بعض المصارف، خلافاً للفقرة”4″ من تعليمات البنك المركزي العراقي. وملاحظتها بعدم ارفاق قائمة تجارية أصولية من قبل مصرف الشمال الخاصة بالزبون “حسين سليم حسين”. وغيرها العديد من الملاحظات التي تكشف حالة الفساد في القطاع المالي بالعراق.
والمدهش من هؤلاء الفاسدون والذين ينهبون مقدرات الشعب العراقي هم أنفسهم من يتصدرون الشأن العام العراقي ويتحدثون “بإخلاص” عن هموم الشعب العراقي وعن طموحات شبابه ومشاكله ويقترحون الحلول اللازمة لحلها، فهم يدركون جيداً أنهم جزء أصيل من مآسي الشعب العراقي، فهذه الطفيليات المالية ما كانت تصبح أمبراطوريات مالية في العراق لولا البيئة الخصبة للفساد المالي والإداري في عراق ما بعد التاسع من نيسان/إبريل عام 2003م. ومنذ تأسيس العراق المعاصر بدءا بالنظام الملكي”ملك فيصل الأول، والملك غازي، والملك فيصل الثاني” الذي استمر حتى عام 1958م ومروراً بالنظام الجمهوري” الرئيس عبدالكريم قاسم، والرئيس عبدالسلام عارف وأخوه عبدالرحمن عارف، والرئيس أحمد حسن البكر، والرئيس صدام حسين” لم يشهد ظاهرة الامبراطوريات المالية الفاسدة، كما شهدها العراق بعد الاحتلال الأمريكي له.
يقول رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق، موسى فرج، إن قادة الفساد هم الساسة والحكوميون الكبار، وإن هذا الفساد كان في مقدمة الأسباب التي أفضت إلى سقوط ثلث العراق بيد داعش، وإن الساسة اختزلوا الشعب العراقي بالمكونات، والمكوّن بالأحزاب، والحزب بالمقربين، والمقربين بالبطانة. عراق اليوم لا يمكن أن تنقذه إصلاحات، حتى وإن وجدت، لأن أساس أي إصلاحاتٍ حقيقية يجب أن تبدأ بمحاكمة حيتان الفساد واسترداد الأموال العراقية المنهوبة التي جعلت من هذه الرؤوس الفاسدة أثرياء. لا أمل بإنقاذ باقي العراق إلا بحملة تطهير لهذه الرؤوس الفاسدة. ولأن مركز الروابط يتحرى الدقة دائما في المعلومة التي يقدمها لقارئه فهو يضع بين يديه تلك الوثيقة الصادرة عن ديوان الرقابة المالية الاتحادية وهي على النحو الآتي :
وبحسب الوثائق فانه لا يزال عدد من البنوك المسيطرة على مزاد العملة بالعراق منها بنك الشرق الاوسط و الهدى وعبر العراق ودجلة والفرات و اشور وبعض شركات الصيرفة المسجلة باسماء اشخاص اخرين ولكنها في حقيقة الامر تابعه لنفس اصحاب المصارف المذكورة سابقا وبالرغم من تقارير ديوان الرقابة المالية لا يوجد اي اجراء قانوني متخذ بحق هؤلاء فيجب على الاقل ايقاف عمل هذه المصارف المخالفة لانظمة البنك المركزي وذلك للحد من ظاهرة غسيل الاموال .
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية