توقّعت مصادر عراقية أن يقوم رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال الأيام القادمة، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحّة العراقية، والمسؤول الأوّل عن عملية “قادمون يا نينوى” لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش، بتوجيه أمر رسمي لعدد من فصائل الحشد الشعبي المؤلف من ميليشيات شيعية والمتمركزة في الوقت الراهن بجبهات خلفية، بالتقدّم صوب المدينة للمساعدة في “تحريرها” بعد أن تعذّر ذلك على القوات الأمنية التي أوكلت لها مهمة الاقتحام النهائي.
وقالت ذات المصادر إنّ العبادي سيستند في ذلك إلى شرط مسبق كان قد طرح أثناء وضع الخطة النهائية لحملة نينوى العسكرية بالتنسيق مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ويقضي بأن تختص القوات الحكومية بدخول مدينة الموصل، وأن تسند للميليشيات الشيعية مهام في جبهات خلفية بعيدة نسبيا، على أن يتمّ الاستنجاد بالحشد في حال اقتضت الضرورة.
وسبق للقيادي بالحشد الشعبي، زعيم ميليشيا بدر، هادي العامري، أن أكّد مع انطلاق معركة الموصل أنّ قوات الحشد الشعبي ستدخل المدينة إذا طلب رئيس الوزراء منها ذلك، متوقّعا أن تكون “المعركة طويلة وليست نزهة كما يتصورها البعض”، ما يعني بالنتيجة حتمية الاستنجاد بالميليشيات.
ووفق المصادر ذاتها فإن الوضع العسكري القائم في الموصل حاليا يلبي ذلك الشرط، حيث تعذّر على وحدات الشرطة وقوات مكافحة الإرهاب تحقيق تقدّم داخل المدينة، عدا ما تمّ تحقيقه منذ الأيام الأولى من اختراق لعدد من أحياء الجانب الأيسر لنهر دجلة شرقي المدينة.
وبدا خلال الأيام الماضية أنّ القوات العراقية تراوح مكانها، فيما بدا تنظيم داعش وقد استكمل استعداداته وتمترس داخل الأحياء السكنية متخذا من المدنيين دروعا بشرية، ومعتمدا على تفخيخ المباني وشبكة الأنفاق المتشعبة التي حفرها تحت المدينة.
ويذهب أشدّ الرافضين لمشاركة الميليشيات الشيعية في اقتحام الموصل، حدّ التشكيك في أن خطة اقتحام المدينة أعدتّ أصلا بطريقة “تضمن” فشلها بما يجعل من الاستعانة بالميليشيات أمرا لا مناص منه.
ويقول هؤلاء إنّ الحشد الشعبي بحد ذاته ساهم في تعقيد المعركة بسدّه المنفذ الغربي لمدينة الموصل الذي ترك مفتوحا بمقتضى الخطة الأصلية بغرض فتح طريق الهروب أمام عناصر داعش خارج المدينة حتى لا يكونوا جميعا مضطرين إلى القتال داخلها بشكل انتحاري يؤدي إلى دمارها ويعرّض سكـانها للخطـر كما هو جار في الوقت الراهن.
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ من اليسير تخيل سيناريو صفحة جديدة من معركة استعادة الموصل، يكون للحشد الشعبي دور رئيس فيها. فإذا كانت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على الحكومة العراقية قد أدت مؤقتا إلى استبعاد تلك الميليشيا من المشاركة القتالية، فإن تداعيات ذلك القرار لا تزال تتفاعل في أوساط تحالف الأحزاب الشيعية الحاكم التي يميل معظمها إلى اعتبار التشكيك بالميليشيا التي تمّ تجميعها وإعدادها برعاية وإشراف إيرانيين مباشرين محاولة للإساءة إلى ما صارت تعتبره ذراعها العسكرية بعد أن فشلت عبر السنوات العشر الماضية في تأسيس جيش عراقي، على أسس وطنية ومهنية وفي سياق ما كان يسمى بالشرف العسكري، بالمعنى الذي يضع الجيش فوق الشبهات.
سيناريو يجعل أهالي الموصل عالقين بين قوتين منفلتتين من كل الضوابط ولا تقل كل منهما عن الأخرى شراسة وتوحشا
ويعتبر هؤلاء أنّ الجيش العراقي الذي يشارك الآن في معركة الموصل هو الآخر نتاج العقلية الطائفية التي أضعفت فيه حسه الوطني. وهو ما بدا واضحا في الانتهاكات التي ارتكبها أفراد من الجيش في حق المدنيين الهاربين من داعش.
كما أن الفساد الذي تعاني منه المؤسسة العسكرية، مثلها مثل كل مؤسسات الحكم في العراق قد وقف حائلا دون تدريب وإعداد ذلك الجيش بطريقة احترافية تؤهله لخوض معارك أمام تنظيم مسلح يتكون من أفراد قرروا القتال حتى الموت.
ومن جهتهم يرى خبراء الشؤون العسكرية أنّ انهيار القوات المسلحة العراقية أمر ممكن في أي لحظة، وهو ما يذكر بالهروب الكبير عام 2014 الذي أدى إلى سقوط الموصل بقبضة داعش.
وإذا ما عرفنا -يضيف هؤلاء- أن كل المحاولات للتحقيق في أسباب تلك الهزيمة قد وئدت، وتم القفز عليها فإن ذلك يعد عاملا مشجعا لوحدات الجيش العراقي على تفضيل النجاة على موت متوقع. وهنا بالضبط ما يمكن أن يشكل حافزا مقنعا لإعادة النظر في مسألة منع الحشد الشعبي من المشاركة في القتال، كون ذلك الحشد يتألف من أفراد مستعدين للموت بسبب ولائهم الطائفي.
وقد لا يكون مهما بالنسبة إلى الحكومة العراقية إذا ما تحولت معركة الموصل بسبب مشاركة الحشد فيها إلى نوع من الحرب الأهلية التي تقوم على أساس طائفي. ذلك لأن الجهات القوية في التحالف الوطني التي يعتبر بعضها رئيس الوزراء حيدر العبادي شخصا ضعيفا وسبق لها أن خططت لسحب الثقة منه، لا يهمها كثيرا أن توجه إليها أصـابع الاتهام بسبب نزعتها الطائفية.
وهناك مَن يعتبر داعش تنظيما سنيا لذلك يفضل أن يواجه بتنظيم شيعي ليستعرضا ويتبادلا قسوتهما وشراستهما وعداءهما المشترك لقيم المواطنة ومقومات الحياة المدنية.
وفي هذه الحالة سيكون أكثر من مليون مدني من سكان مدينة الموصل عالقين في تقاطع نيران قوّتين منفلتتين من كل الضوابط والأخلاقيات ولا يقل كل طرف منهما شراسة عن الآخر.
وتقف خلف الحشد الشعبي الذي أنشئ صيف 2014 إثر غزو تنظيم داعش للمناطق العراقية بفتوى دينية من المرجع الشيعي علي السيستاني، إرادة سياسية قوية لشخصيات عراقية بالغة النفوذ ومعروفة بموالاتها لإيران.
وتعمل آلة دعائية ضخمة على تلميع صورة الحشد وتضخيم دوره على حساب القوات النظامية، وتصويره في هيئة المنقذ للبلاد من داعش.
ومن شأن نجاح الحشد الشعبي في تحريك جبهة الموصل وتسهيل اقتحام المدينة أن يرسخ تلك الصورة، في وقت تعمل فيه جهات سياسية على تمرير قانون يحوّل الميليشيات إلى جيش نظامي.
صحيفة العرب اللندنية