عندما ضمّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، شبه جزيرة القرم، وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما روسيا بأنها «قوة إقليمية»، بينما اعتبرها آشتون كارتر، وزير دفاعه، «العدو اﻷول» للولايات المتحدة. لم يجانب باراك أوباما الصواب، فروسيا اليوم ليست روسيا السوفياتية القديمة، فهي بالكاد تستطيع الوقوف على قدميها، بخاصة بعد فرض العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، وبعد أن فُكك حزامها اﻷمني وتوغل «الناتو» في عمق مجالها الحيوي القديم في وسط أوروبا وشمالها. أما القوقاز، الذى عبّر رئيس الوزراء ديمتري ميدفيديف، عن مكانته المتميزة، في العقيدة الاستراتيجية الروسية، عندما قال، ذات مرة، أنه «لو خسرنا القوقاز، فهذا يعني أننا خسرنا روسيا نفسها»، فلقد تورطت روسيا فيه بحروب صغيرة ومماحكات عسكرية مع دول غير ذات شأن أو وزن كمولدوفا وجورجيا، ولا تزال ديمومة نفوذها في جنوب القوقاز (أوزبكستان وكازاخستان وقيرغستان) محل شك كبير.
روسيا بلد منهك، محاصر ويواجه تحديات ذات طابع وجودي حقيقي، ولا يمكن مقارنة قوتها بالولايات المتحدة. فمن منظور التوازن الشامل، تميل كفة التوازن الاستراتيجي الى مصلحة اﻷخيرة بلا جدال، فالاقتصاد الروسي بالكاد يبلغ ثُمن نظيره اﻷميركي وتُسع نظيره اﻷوروبي. وفي الوسع الذهاب في المقارنة الى ما ﻻ نهاية.
أما إرسال روسيا الطراد الذري الثقيل «بطرس اﻷكبر» وحاملة الطائرات «اﻷميرال كوزنيتسوف» مصحوبة بمجموعة من السفن الحربية، الى السواحل السورية في استعراض غير مسبوق للقوة حتى في ذروة الحرب الباردة، والحال هذه، فلا يعبر عن حالة من القوة والتمدد بقدر ما يعبر عن حالة من الضعف والتراجع.
في المقابل، ﻻ يبدو التراجع اﻷميركي عن المنطقة تراجعاً استراتيجياً، بل تكتيكياً، وهو يشبه الى حد بعيد ذلك التراجع الأميركي التكتيكي من منطقة جنوب شرقي آسيا بعدما كانت تلك المنطقة واحدة من أكثر المناطق اشتعالاً زمن الحرب الباردة.
قال، ذات مرة، وزير الخارجية اﻷميركي اﻷسبق وأحد مهندسي السياسة اﻷميركية تجاه روسيا، هنري كيسنجر: «إن مشكلة العالم تكمن في بزوغ روسيا كقوة عظمى في العالم» بعيد الحرب العالمية الثانية. لربما أراد وزير الدفاع اﻷميركي، آشتون كارتر، قول الشيء ذاته لكن في معنى مناقض، أي أن المشكلة تكمن في بزوغ روسيا كـ»قوة صغرى» بعيد الحرب الباردة. فما ﻻ شك فيه، أن روسيا منهكة ومحاصرة ومنزوعة الكبرياء قد تنزلق الى هاوية تفكير كارثي، أي في سيناريو يقترب من سيناريو «يوم القيامة». وهو سيناريو ﻻ يريدها أحد أن تنزلق الى هاوية التفكير فيه من دون أدنى شك.
أسامة مصالحة
صحيفة الحياة اللندنية