لا يزال تولي دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة يطرح كثيراً من التساؤلات في العالم العربي. فعدم اليقين حول إدارته المستقبلية لملفات الشرق الأوسط والأزمات الساخنة وفي طليعتها سورية ينشر القلق لدى بعض الأطراف، علماً أن سياسة أوباما في ملفات الشرق الأوسط خيبت الآمال وكانت فاشلة.
واليوم ولبنان بدأ عهداً جديداً مع العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً لحكومة يريدونها جامعة يطرح السؤال: هل بإمكان الأطراف التي كانت متنازعة في لبنان أن تتصالح وتتعايش لحماية هذا البلد من صراعات تدور حوله؟
اللقاءات الكثيرة مع أطراف عدة في البلد تظهر رغبة حقيقية في التعايش والبدء بورشة عمل والإعداد للانتخابات. لكن الشعب اللبناني ينتظر ليرى ما إذا كانت الطبقة السياسية والرئيسان عون والحريري وفريقاهما سيعملون فعلاً على مكافحة الفساد وتطوير البلد إلى الأفضل مع إيجاد حلول سريعة للمشاكل المعيشية الملحة لحياة كريمة للمواطن المستاء من السياسيين في بلده.
إن ما يسمى العهد الجديد في لبنان مع رئيس أتى من صفوف ٨ آذار أو مجموعة تنتمي إلى حلف مع «حزب الله» ورئيس حكومة من ١٤ آذار يشير إلى توجه للمصالحة ومحاولة التعايش من أجل حماية البلد الصغير من صراعات المنطقة المحيطة به. لكن الرهان على نجاح هذا التعايش يعتمد على مدى استعداد «حزب الله» وهو المجموعة الأقوى نفوذاً في لبنان، على التنازل لهذا التعايش على ألا يستخدمه لحساب حروبه في المنطقة، خصوصاً الحرب في سورية. والسؤال هنا يطرح حول ما إذا كان «حزب الله» في حاجة إلى لبنان بخير ومنتعشاً أو أن الحزب يريد الاستمرار باستخدام البلد لخدمة مصالح إيران في المنطقة.
قال مسوؤل لبناني رفيع في حديثه إلى «الحياة» أن على الدول التي تسعى إلى مساعدة لبنان أن تميز بين «حزب الله» الإقليمي و «حزب الله» اللبناني وأن تتعاطى مع «حزب الله» اللبناني كي لا تتأزم الأوضاع. ولكن، كيف ذلك والحزب يتدخل في الخارج في سورية والعراق واليمن؟ وماذا عن قتلاه من الشباب اللبنانيين الذين يرسلهم إلى سورية للقتال ولحماية نظام بشار الأسد؟ والمعروف أنه سقط للحزب آلاف القتلى من الشباب اللبنانيين الذين يقاتلون لحماية بشار الأسد بدل بقائهم في بلدهم للمساهمة في إعماره وإنعاشه. ومن الصعب الاقتناع بأن الحزب سيترك عون والحريري يعملان لمصلحة البلد. إلا إذا كان «حزب الله» في حاجة إلى لبنان مستقراً وآمناً في محيط ساخن ومليء بالحرائق التي يساهم فيها الحزب بخوضه المعارك لحساب إيران. فهذا العهد الجديد الذي أعطى أملاً للبعض في لبنان ينبغي أن يحقق نتائج سريعة وأن يدفع الخارج إلى مساعدة لبنان وإلى دعم رهانه الجديد. فلبنان في حاجة ماسة إلى مساعدة أشقائه الخليجيين وفي طليعتهم السعودية كما هو في حاجة إلى عودتهم بزخم إليه. وعلى الرئاسة اللبنانية والحكومة عندما تتشكل أن تظهر للخارج أنها جديرة بمساعدة الأصدقاء في الغرب لأن لبنان يمكنه أن يكون مثلاً للتعايش في المنطقة. والأهم من كل ذلك أن يتجنب «حزب الله» الذي ما زال قرار الحرب والسلام في يده رغم وجود رئيس قوي للجمهورية، افتعال مشكلة مع إسرائيل كي لا تستخدمها حجة لشن هجوم على لبنان مثلما فعلت في عام ٢٠٠٦. والرئيس الأميركي المنتخب ترامب من أقرب المقربين إلى صديقه بنيامين نتانياهو أكثر من أي رئيس أميركي سابق. فأي مغامرة إسرائيلية لتدمير جهود لبنان للخروج من الأزمة الاقتصادية أولإعاقة مسيرة العهد الجديد، تكون كارثة جديدة في المنطقة. وإسرائيل لا ترغب في لبنان مستقراً ومنتعشاً كما أنها مرتاحة جداً لما يحيطها من صراعات وحروب في المنطقة العربية كون العرب يلتهون ويبتعدون عن المشكلة الفلسطينية. فالعهد الجديد في لبنان أمام تحديات كبرى أهمها طروحات «حزب الله» وسياسته.
رندة تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية