عندما بدأت القوات الكردية بإطلاق صواريخ على مخبأ اشتبهت بوجود عدد من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية فيه، بشمال العراق، علا صوت أحد المختبئين في الداخل، قائلا إنه يحاول إقناع الآخرين بالاستسلام.
لكن، لم يجد هذا الصوت، الذي قالت وكالة رويترز إن صاحبه يدعى وليد إسماعيل، وقد تحدث إليه مراسل الوكالة، وهو في مجمع أمني بأربيل، بعد أن تمكنت قوات البيشمركة من اقتحام المخبأ.
يتحدث إسماعيل، الذي كان يعمل من قبل في أحد المخابز، عن ذلك اليوم قائلا إن البعض من الأشخاص الذين كانوا متواجدين معه في المخبأ كانوا يريدون رفع قنبلة يدوية إلى عنقه وسحب الفتيل لتفجيرها.
وفي النهاية فجّر تونسي منهم قنبلته الانتحارية على أمل القضاء على المهاجمين، لكنه قتل بدلا من ذلك خمسة من أفراد المجموعة وجرح الباقين؛ فيما قتل البقية بعد ذلك على أيدي الأكراد، وكان إسماعيل الوحيد الذي خرج من البيت على قيد الحياة وهو يصيح أنه ليس لديه قنابل.
وظهر الشاب العشريني في مقطع فيديو على الإنترنت وهو يخرج من البيت والذعر باد على وجهه في بلدة بعشيقة بالقرب من الموصل ويده مصابة ليعتقله مقاتلو البيشمركة؛ وهو اليوم يجلس مكبل القدمين في المجمع الأمني.
ونادرا ما يسمح لمن يشتبه في أنهم من رجال تنظيم الدولة الإسلامية بالتحدث إلى وسائل الإعلام لكن مجلس الأمن لإقليم كردستان سمح لرويترز بإجراء مقابلة مع إسماعيل وسجين آخر في وجود مسؤول. ووصف الشاهدان كيف حولهما داعش من مواطنين عاديين في الموصل إلى مقاتلين جهاديين من خلال الوعود والتهديدات.
قال إسماعيل إن المعاملة الظالمة التي تتلقاها الطائفة السنية من الحكومة التي يقودها الشيعة والقوات المسلحة كان لها دور كبير في هذا التحول.
وأوضح أن أبوبكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أثار إعجابا واسع النطاق عندما دخل مسجدا في الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، في وضح النهار قبل عامين وأعلن قيام دولة خلافة في مناطق شاسعة من سوريا والعراق بعد ستة أعوام من لجوء تنظيم القاعدة إلى العمل السري.
وخفض إسماعيل نبرة صوته وهو يقول “صدقته.. أحببناهم لأنهم خلصونا من ظلم الشيعة”. وأضاف أن أبرياء كثيرين من السنة وصموا بأنهم من الإرهابيين من جانب الجيش الذي لم يبد مقاومة عندما اجتاح 800 مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية شمال العراق في شاحنات بيك أب عام 2014.
توجه هؤلاء المقاتلون إلى السكان بعد أن أحكموا قبضتهم على المدينة قائلين “كل من يذهب إلى المسجد فهو آمن، ونحن إخوتكم المسلمون. وهدفنا أن نخلصكم من الشيعة ولن يظلمكم أحد… وسنعطيكم الطعام والمال، وكل ما تريدون”.
وفي مقابلة منفصلة مع سجين آخر يعتقد أنه شارك في القتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، تحدث حازم صالح بانفعال شديد وهو يتذكر كيف عامل الجيش العراقي أشقاءه الثلاثة في الأشهر التي سبقت ظهور تنظيم داعش على الساحة.
وقال صالح، الحداد السابق من الموصل، عن أشقائه “كانوا عمالا، اعتقلوهم لنحو شهر ونصف، وضربوهم وعلقوهم من أقدامهم، وتسببوا في خلع أكتافهم”.
التنظيم تكتنفه السرية ومهووس بحماية أمرائه خاصة من الوقوع في الأسر، لم نكن نعرف من هو قائد جيشنا، ولم يسمحوا لنا قط بالاقتراب من المناطق الاستراتيجية
وتبين الروايتان مدى أهمية معالجة التوترات الطائفية بعد أي نصر يتحقق على تنظيم الدولة الإسلامية لتجنب تكرار التطورات التي شكلت الموجة الثانية من التشدد السني منذ الإطاحة بصدام حسين.
إلى جانب الطائفية، هناك أسباب أخرى أجبرت الموصليين، وغيرهم من العراقيين، إلى الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، قسرا أو عن طواعية؛ فإسماعيل أجبرته الضغوط التي حاصره داعش بها على الانضمام إليه.
وقال إسماعيل إنه كان يكافح لإعالة أشقائه الستة الأصغر منه عندما عطل التنظيم المخبز الذي كان يعمل به بقطع الغاز عنه بحيث لم تعد أمامه خيارات تذكر.
وعندما ضاقت به الحال ولم يعد هناك من حل جاء تنظيم الدولة الإسلامية بعرض يقتضي منحه “500 ألف دينار (400 دولار) كل شهر مقابل القيام بمهمة بسيطة وهي الإمساك بمدفع رشاش والوقوف حارسا في الشارع”.
ومثل إسماعيل، قال صالح إن التنظيم فرض ضغوطا مالية مما اضطره لدفع ضرائب باهظة على متجره، ثم عرض عليه مرتبا ممتازا لإغرائه بالانضمام إليه. وأضاف “عندي سبعة أولاد أصغرهم سنتان. ويحتاجون إلى العيش. لم يكن العمل متاحا…”.
الإغراءات المادية التي يقدمها تنظيم الدولة الإسلامية كانت كبيرة في ظل الظروف الصعبة ولذلك انضم أغلب الناس إلى داعش، لكن صالح يؤكد أنه لم يكن هناك خيار أصلا، فحتى لو لم تنجح سياسة الإغراءات في استقطاب المجندين كانت هناك سياسة الابتزاز.
وقال صالح، الذي استسلم في بعشيقة أيضا وحضر المقابلة مرتديا زيا عسكريا وكان يغطي رأسه بقلنسوة في البداية، “هددني مقاتلو التنظيم بأنهم سيأخذون ابني الذي عمره 14 عاما من أجل الضغط علي… لذلك ودعت أسرتي ورحلت”.
كانت مهمة صالح فحص العربات على الحواجز الأمنية التابعة للتنظيم، حيث كان المقاتلون يلقون القبض على أي جندي من العراقيين أو الأكراد. وكانت الشبهات تحوم حول أي شخص لا يعيش في المنطقة. وعمل بعد ذلك في إعداد وجبات الأرز واللحم والعدس للمقاتلين حيث كان هناك طباخ لكل مجموعة مكونة من 12 مقاتلا.
وقال إنه تلقى تدريبا لمدة أربع ساعات يوميا على مدى 25 يوميا على كيفية استعمال البندقية الهجومية كلاشنيكوف، لكنه عاد وشدّد على أنه لم يقاتل باسم تنظيم الدولة الإسلامية ولم يقرّ العنف.
“كانت البداية بسيطة”، قال إسماعيل متذكرا أول أيامه مع تنظيم داعش. إنه تسلم إثر وصوله زيا يشبه الزي الذي يرتديه رجال حركة طالبان في أفغانستان وطلب منه مراقبة أي أنشطة مشبوهة. وأضاف أن تنظيم داعش تكتنفه السرية وهو مهووس بحماية أمرائه خاصة من الوقوع في الأسر أو من الضربات الجوية. وأضاف “لم نكن نعرف من هو قائد جيشنا. ولم يسمحوا لنا بالاقتراب من المناطق الاستراتيجية”.
وقال إنه أدرك ما كان يعيشه من أوهام لكنه لم يجرؤ على التفوّه بأي انتقادات لأن هذا هو الطريق إلى السجن وربما أسوأ من ذلك.
واستشهد بفترة ضبط فيها مقاتلو التنظيم والده وهو يدخن رغم الحظر الذي فرضوه على التدخين وحذروه أنه سيتعرض للجلد.
عجز إسماعيل عن مواصلة الكلام وهو يفكر في قرار الانضمام إلى التنظيم والأيام التي قضاها في صفوفه، وكادت الدموع تطفر من عينيه، بل إنه أشاد بآسريه الأكراد في حضور المسؤول الكردي.
وقال إنه فقد الاتصال بعائلته عندما انتقل من الموصل إلى مدينة بعشيقة حيث انتهى به الحال محاصرا من الجنود الأكراد في ذلك البيت في انتظار أن ينفذ أمراء التنظيم وعودهم بإرسال تعزيزات. لكن هذه التعزيزات لم تأت قط.
ويواجه إسماعيل وصالح مصيرا مجهولا. وفيما تستمر معركة الموصل يمثل المجمع الأمني مقرّ إقامة لمن يعتبرهم الأكراد المسؤولون عن المنطقة مصدر خطر كبير. وإذا تجمعت أدلة كافية فمن المرجح أن يقدم الاثنان إلى المحاكمة.
وسئل إسماعيل عن الرسالة التي يريد أن ينقلها إلى أقاربه فقال “اصبروا من فضلكم. إن شاء الله سأعود”.
مايكل جورجي
صحيفة العرب اللندنية