رغم تعدد مصادر تمويل تنظيم “داعش”، إلا أن النفط يظل، حسب أغلب التقديرات، المورد الرئيسي للتنظيم، وهو ما يعني أن هبوط الأسعار العالمية للنفط إلى أكثر من 50% منذ منتصف عام 2014، سوف يؤثر على مدى قدرة التنظيم على الصمود ومواصلة الانتشار، خاصة في ظل الضربات القوية التي يتعرض لها من قبل التحالف الدولي والتي استهدفت بعض تلك المصادر في الفترة الماضية.
مورد رئيسي:
أشارت بعض التقديرات إلى أن الدخل اليومي للتنظيم من مبيعات النفط يتراوح ما بين مليون و3 مليون دولار، حيث أسهمت هذه الحصيلة في توفير أموال ضخمة استطاع التنظيم من خلالها شراء وصيانة المعدات العسكرية، وصرف رواتب للمقاتلين، وإدارة البنية التحتية للأراضي التي تخضع لسيطرته، وتوفير بيئة حاضنة لها عن طريق استمالة القبائل المحلية بالأموال.
وقبل بداية قيام التحالف الدولي بشن ضرباته الجوية ضد مواقع التنظيم، كان الأخير يسيطر على 60% من حقول النفط في سوريا، ونحو 350 بئرًا للنفط في العراق، بإجمالي إنتاج يتراوح بين 70 إلى 80 ألف برميل يوميًّا، وحينما كان السعر العالمي للنفط نحو 85 دولارًا، كان التنظيم يبيع برميل النفط في السوق السوداء بأسعار تتفاوت ما بين 20 إلى 40 دولارًا للبرميل.
فضلا عن ذلك، فإن “داعش” يجني أموالا إضافية من الانخراط في أنشطة الجرائم المنظمة مثل الاختطاف والفدية، وتُشير تقديرات أمريكية إلى أن التنظيم حصل على 20 مليون دولار من الفدية خلال عام 2014، فيما يفرض ضرائب على السكان غير المسلمين بواقع 720 دولارًا للذكور البالغين، ويحصل التنظيم أيضًا على إتاوات من عبور الشاحنات والسيارات.
أثر مضاعف:
تُساهم التطورات التي طرأت على صعيد أسواق النفط، فضلا عن الجهود الدولية التي تعمل على محاصرة تهريب النفط، في تقويض الموارد المالية لتنظيم “داعش”، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
1- تراجع الأسعار العالمية للنفط: شهدت أسعار النفط الخام هبوطًا بنحو 58% منذ منتصف عام 2014 لتصل في الأسبوع الثالث من يناير 2015، إلى 43 دولارًا للبرميل بحسب بيانات منظمة “أوبك”، ويُعزَى ذلك إلى زيادة حجم المعروض، في مقابل انخفاض الطلب العالمي على النفط. وفي ظل الأسعار الحالية لأسعار النفط، من المتوقع أن تتأثر عائدات تنظيم “داعش”، ففي الوقت الذي كان يتم فيه تداول الأسعار العالمية للنفط عند مستوى 85 دولارًا، كان “داعش”، وفقًا لبعض التقديرات، يبيع النفط في السوق السوداء عند مستوى 40 دولارًا، ومن ثم فإن مبيعاته الحالية من النفط ستخضع لخصم أكبر من ذي قبل، وهو ما سوف يترتب عليه فقدان موارد مالية كبيرة.
2- تدهور إنتاج النفط: مع شن قوات التحالف الدولي ضربات جوية على مواقع التنظيم منذ أغسطس 2014، عملت على استهداف حقول ومصافي النفط وحركة الناقلات النفطية من العراق إلى سوريا ومنها إلى تركيا المستخدمة في تهريب النفط، هبط إنتاج “داعش” من النفط من نحو 70 ألف برميل يوميًّا، بحسب الوكالة الدولية للطاقة، إلى 20 ألف برميل يوميًّا، وانخفضت وتيرة عمليات التهريب من حقول النفط العراقية من نحو 30 ألف برميل سابقًا إلى أقل من 10 آلاف برميل يوميًّا، وهو ما أكده ديفيد كوهين مساعد وزير الخزانة الأمريكية، عندما قال في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، في سبتمبر 2014، أن “العائدات المالية التي كان يجنيها داعش من بيع النفط، تراجعت بشكل كبير بسبب الضربات الجوية الأخيرة للتحالف الدولي”. لكن رغم تلك الضربات؛ تشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن التنظيم ما زال يُسيطر على عدة حقول مثل “القيارة” و”النجمة” و”بلد” و”حمري” بالعراق، كما أن حقل “العمر” بمنطقة دير الزور بسوريا ما زال يخضع لسيطرته، بما يعني أن التنظيم ما زال يجني أموالا من مبيعات النفط في السوق السوداء، ولكن ربما بعائدات تقل نحو الثلثين قبل بدء التحالف الدولي ضرباته الجوية، بحسب بعض التقديرات.
3- تجارة النفط: اتخذت الأجهزة الحكومية الأمريكية إجراءات اقتصاديةً عديدة لملاحقة أموال الجماعات الإرهابية من خلال فرض عقوبات وتشديدها على الدول أو الجهات الداعمة لمثل هذه الجماعات، وقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في هذا الصدد عن فرض عقوبات مالية على الجهات أو الوسطاء المتعاملين مع مبيعات “داعش” من النفط، وكذلك انتهجت وزارة الحزانة الأمريكية سياسة تعمل على الحد من قدرة “داعش” على التعامل من خلال النظم المصرفية العراقية والسورية والدولية، وعملت أيضًا على فرض عقوبات على قيادات التنظيم والداعمين له.
مستقبل غامض:
يبدو أن تنظيم “داعش” أصبح أكثر تضررًا، سواء من تراجع إنتاج النفط أو هبوط الأسعار العالمية، مع العلم بأن احتياجاته المالية وأوجه إنفاقه أصبحت أكثر اتساعًا لبسط سيطرته على المواقع التابعة له أو التي يرغب في ضمها. ورغم ذلك، فإن تقويض كافة مصادر تمويل “داعش” لا يبدو مهمة سهلة، في ظل تنوع مصادر تمويل التنظيم، مثل الجرائم المنظمة والضرائب، وهو ما يُعطي التنظيم استدامة مالية بعض الشيء على المدى القصير.
لكن من ناحية أخرى، فإن الضغوط التي ربما تفرض لاحقًا مع تراجع عائدات النفط يمكن أن تدفع التنظيم إلى البحث عن مصادر أخرى للتمويل، عبر تكثيف اتصالاته مع المتعاطفين معه دوليًّا للحصول على تبرعاتهم، وهو ما يستدعي في الجهة المقابلة تشديد الجهود الدولية لمكافحة كافة مصادر تمويله، وليس النفط فقط.
خلاصة القول، لا شك أن منع “داعش” من الوصول إلى عائدات النفط يعد وسيلةً فعالة لإضعافه ماليًّا، إلا أنه ليس كافيًا في ظل تعدد وتنوع مصادر تمويله، وهو ما يتطلب من المجتمع الدولي مضاعفة الجهود المبذولة لمنع التنظيم من الحصول على أموال من مصادر التمويل الحالية أو المحتملة.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية