ما تزال الحرب في سورية بعيدة عن أن تضع أوزارها؛ حيث تعهد الثوار المناهضون للأسد بمتابعة القتال. ويتجمع العديد منهم الآن في محافظة إدلب. ولكن، قبل أن يختار الرئيس السوري مطاردتهم، فإن لديه خيارات أخرى يمكن تأملها.
* * *
بيروت، لبنان- منحت استعادة مدينة حلب؛ ثاني كبريات المدن السورية، للرئيس بشار الأسد أكبر انتصار يحققه في ست سنوات تقريباً من الحرب الأهلية المرة، وجعلت قوات الثوار ينكصون على أعقابهم ويفكرون في خطواتهم التالية.
مع ذلك، ما تزال الحرب التي مزقت البلد وتركت أكثر من 300.000 قتيل وتسببت في أضخم موجة لجوء يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية بعيدة عن أن تضع أوزارها. في عموم سورية، ما تزال مجموعات الثوار والمتشددين من كل الأطياف والشرائح تسيطر على الأراضي، وتبدو مصممة على الاستمرار في كفاحها للإطاحة بالرئيس الأسد ونظامه.
والآن، يجب على الأسد وحلفائه في غمرة الرضا الذي تحقق بفضل استعادة حلب، أن يقرروا المكان الذي سيضربونه تالياً إذا كان ما يزال مصمماً على الوفاء بتعهده المعلن: إعادة فرض السيطرة على كامل أنحاء البلاد.
ولا يوجد لديه نقص في الخيارات، من محافظة إدلب في الشمال -والكثير منها يخضع لسيطرة الثوار- على طول الطريق إلى جنوبي سورية؛ حيث تقاتل فصائل الجيش السوري الحر المعتدلة أحد الفروع التابعة للمجموعة المتطرفة “داعش”. وثمة عامل فاصل يتمثل في الإنهاك الذي لحق بالجيش السوري المتداعي، وأولويات حليفي الأسد الرئيسيين؛ روسيا وإيران، اللذين أثبتت أصولهما العسكرية أنها حاسمة في مساعدة الأسد على التشبث بالسلطة.
يقول تشارلز ليستر، الزميل الرفيع في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، والخبير في الصراع السوري: “في نهاية المطاف، سوف تحدد الحسابات التالية للنظام بقدرته على حشد القوى العاملة القادرة، مع وجود رغبة للاستمرار في صناعة سرد يضعه في وضع جيوسياسي أفضل للاستدامة. ليس أي من الخيارات المفتوحة سهلاً، لكن ثمة بعض الخيارات التي تبدو معقولة أكثر في هذه المرحلة الحساسة”.
أشار بعض المحللين إلى محافظة إدلب، كمسرح محتمل قادم لعمليات الجيش السوري وحلفائه العديدين. وكان الكثير من أجزاء المحافظة سقطت في أيدي الثوار في النصف الأول من العام 2015. ومع أن ذلك شكل ضرة لنظام الأسد، فإنه ساعد في تمهيد الطريق أمام تدخل روسيا العسكري بعد أشهر قليلة.
بينما كان يتحدث في جنيف يوم الخميس قبل الماضي، حذر مبعوث الأمم المتحدة الخاص، ستيفان دي ميستورا، من أن إدلب “يمكن أن تكون من الناحية النظرية حلب الثانية”. وقال إن وقف الأعمال العدائية في سورية ضروري إذا أريد تجنب سفك دماء آخر، وفق ما ذكرته وكالة رويترز.
مقدمات محتملة
سوف يكون من شأن تأمين إدلب تقوية قبضة الأسد على النصف الغربي الثمين من البلد حيث يعيش معظم السكان، وحيث توجد المدن الرئيسية. لكن إدلب يمكن أن تثبت كونها عصية على الكسر في ضوء القوة النسبية لقوات الثوار المتجمعين هناك.
وتجدر الإشارة إلى أن المحافظة أصبحت وجهة للثوار الذين وقعوا على اتفاقيات مع النظام لمغادرة مناطق أخرى من البلد، بما في ذلك أولئك الذين غادروا شرقي حلب ومناطق أخرى حول دمشق، العاصمة. ومن الممكن أن يفضي تدفق تعزيزات إضافية من الثوار إلى مزيد من التعقيد لأي هجوم مستقبلي لقوات الحكومة.
مع ذلك، قد يكمن بديل آخر أكثر ضغطاً وقبولاً للإنجاز في اقتطاع الحواف الشرقية من محافظة إدلب أولاً، من أجل توسيع وتأمين الممر الذي تسيطر عليه الحكومة والمفضي إلى حلب.
يقول يزيد الصايغ، الزميل الرفيع في مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت: “لا أعتقد أنهم سيهاجمون إدلب دفعة واحدة. إذا نظرت إلى الخريطة، ستجد أنه ما يزال لديهم (قوات النظام) ممر ضيق جداً يفضي إلى حلب نفسها. والأمر المنطقي هو أنهم سوف يريدون توسيع ذلك الممر عبر الاندفاع في الاتجاه الغربي للمكان الذي استولوا عليه”.
وقد تندفع قوات الحكومة أيضاً من حلب لتأمين وسائط الانتقال الرئيسية مع دمشق، كما يقول السيد الصايغ، الذي يضيف أن نمط قصف النظام للبلدات المجاورة يشي بأن القوات الحكومية تمهد المنطقة لشن هجوم مضاد.
“حزب الله من دون الأيديولوجية”
ما تزال القوات الحكومية السورية مستمرة في المعاناة من نقص رئيسي في القوى العاملة، بغض النظر عن تواجد حلفائها الأجانب. ويقول بعض المحللين إن الجيش السوري الذي كانت لديه قوة على الورق من حوالي 300.000 جندي قبل اندلاع الصراع، يستطيع اليوم تجميع ما يتراوح بين 25.000 و30.000 جندي للانخراط في عمليات الهجوم المضاد. ومن الممكن أن يحدد ذلك النقص في قوات الجبهة المكان الذي يستطيع النظام أن يضرب فيه تالياً.
في الشهر الماضي، أعلن الجيش أنه يخطط لإنشاء وحدة قيادة جديدة تسمى الجهاز الخامس، والدعوة إلى متطوعين. وقالت تقارير الإعلام اللبناني إن القادة الميدانيين في حزب الله اللبناني الشيعي سوف يلعبون دوراً رئيسياً في الوحدة الجديدة.
بالإضافة إلى ذلك، يقول مصدر مقرب من حزب الله وعلى دراية بعملياته في سورية، إن المجموعة الشيعية اللبنانية ساعدت على مدار العام الماضي في تأسيس وتدريب وحدة من المتطوعين السوريين في القصير؛ البلدة السورية التي تقع على بعد خمسة أميال من الحدود اللبنانية. وسيقود المجندين ضباط حزب الله، وستدفع لهم الرواتب نفسها التي يتقاضاها مقاتلو حزب الله الذين يخدمون في سورية. وأشار المصدر إلى أن إيران تقدم الأموال. ويقول المصدر: “يمكنك القول إن تلك القوات ستكون بمثابة حزب الله السوري من دون أيديولوجية دينية”.
إذا تأكد وجود الوحدة الجديدة المكونة من 50.000 رجل قوي، وإذا تم تكوين الجهاز الخامس في الأشهر المقبلة، فسيكون من شأن ذلك مساعدة نظام الأسد في كسب أرضية جديدة بينما يستطيع التمسك بما تمكن من استعادته أصلاً.
تأمين العاصمة
بخلاف إدلب، قد يسعى نظام الأسد إلى كسب المزيد من الأراضي حول دمشق؛ حيث أجرى في الأشهر الأخيرة سلسلة من عمليات “الاستسلام أو الموت جوعاً” ضد القرى والبلدات التي كان الثوار يسيطرون عليها، مما أجبر المتشددين والمدنيين على حد سواء على الخضوع وإخلاء كل منطقة.
ويقول الصايغ من معهد كارنيغي في هذا الصدد: “ساعد ذلك النظام في تعزيز قبضته حول العاصمة التي تعتبر مهمة جداً من الناحية السياسية/ وهي مهمة جداً أيضاً من الناحية المادية لأنها تطلق أيدي القوات للتركيز على مكان آخر. وهي مهمة أيضاً من الناحية الرمزية، لأن التهديد -أو حتى التظاهر بوجود تهديد للعاصمة- (وهو ما كان الثوار في جنوبي سورية) قد اعتادوا الحديث عنه، قد ذهب تماماً”.
ثمة خيار آخر هو التوجه شرقاً إلى وسط سورية لاستعادة تدمر التي سقطت ثانية في يد ما تدعى “داعش” في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما شن المتشددون هجوماً عليها مباغتاً. وكان “داعش” قد طرد من تدمر بعد هجوم شنته قوات الحكومة قبل ثمانية أشهر وحسب.
يقول السيد ليستر من معهد الشرق الأوسط: “يمكن لهجوم مضاد يُشن ضد المجموعة الجهادية السنية في هذه المرحلة أن يشير إلى المجموعة الدولية -وخاصة الإدارة الأميركية المقبلة- بأن النظام وشركاءه يمكن أن يكونوا قوة عاكفة على مكافحة الإرهاب عندما يريدون أن يكونوا كذلك”.
نيكولاس بلانفورد
صحيفة الغد