يشكل عبء الحرب التي يخوضها العراق ضد تنظيم الدولة “داعش ”، أبرز التحديات الراهنة فقد ألق بظلاله على كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، و تراجع كبير في الاقتصاد وكذلك تراجع احتياطيات النقد الأجنبي لدى المركزي العراقي، بالإضافة الى فاتورة النازحين التي تشهد ارتفاعا كل يوم .
فيما مضى كان الاحتياطي النقدي العراقي يقدر بحوالي 80 مليار دولار وهو مستوى جيد، لكن عوامل كثيرة اسهمت في انهيار هذا الكم من الاحتياطيات الدولية وانحدارها الى اقل من النصف، وهنا يبدأ ناقوس الخطر، ومع انطلاق الحرب ضد تنظيم الدولة قبل اكثر من عامين بدأت رحلة الانهيار للاحتياطيات الذي اثقل كاهل الخزينة العراقية واستنزف مواردها، ناهيك عن المناطق التي استولى عليها والتي كانت تعتبر رافدا مهم لإيرادات الدولة، وما تحويه من مؤسسات وشركات ومصارف واراضي زراعية وحقول ومصافي نفط ، كل ذلك اختفى من قوائم الايرادات التي اعتادت عليها الدولة العراقية، فكانت الضربة للزينة ، والتي شارفت على الافلاس خلال العامين الماضيين وخصوصا مطلع العام 2016 عندما انهارت اسعار النفط عالميا لأدنى سعر لها وهو 27 دولارا للبرميل، ولذلك سارعت الحكومة العراقية وتقدمت بطلبات للحصول على قروض ومنح دولية وهو ما كان بعد ذلك.
بالعودة للحديث عن تكلفة الحرب ضد داعش توقعت مصادر عراقية مؤخرا أن يتلقى الاحتياطي النقدي العراقي ضربة كبيرة خلال 2017 تهوي به إلى ما دون الثلاثين مليار دولار بعد أن كان يناهز الــ 80 مليار دولار قبل نحو عامين، وقد أكدت تقارير ان احتياطي العراق الأجنبي يخسر 16 مليار دولار في عام بنسبة تراجع 23.5% خلال عام .
وتضيف المصادر الى ان تكلفة الحرب منذ انطلاق معركة تحرير الموصل قبل شهرين تبلع 2.3 و2.5 مليون دولار يوميا، وهو مبلغ كبير جدا اذا نظرنا الى واقع الاقتصاد العراقي الريعي المتهالك، واذا نظرنا الى حجم الفساد والنهب داخل اروقة المؤسسات والوزارات الحكومية سنلاحظ سيل عارما من الهدر للمال العام، ناهيك عن اللجوء الى العملة الاجنبية من احتياطيات البنك المركزي العراقي لتغطية مصاريف حكومية يرافق ذلك بعجز 21 تريليون دينار في موازنة 2017، لذلك ينظر الى إدارة أسعار صرف الدولار في السوق المحلية على انها نافذة الفاسدين الذين يعيشون على الفرق بين سعر الصرف الرسمي مع الأسواق الموازية”. ، بالمقابل يتحمل المواطن البسيط هذا الفساد والخلل والدمار وسوء الادارة الحكومية.
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي قد اكد في تشرين الاول / اكتوبر الماضي أن 35 مليار دولار تكلفة الدمار الاقتصادي نتيجة الحرب في الموصل .و اضاف ان “هناك خسائر اجتماعية و انسانية اخرى”.
ووفقا لتقارير نقلت عن مسؤول بارز في وزارة المالية العراقية في شهر ايلول /سبتمبر 2016 قوله “تحرص إدارة البنك المركزي ورئاسة مجلس الوزراء العراقي على عدم الكشف عن التقارير الرسمية، خلال الفترة الأخيرة، بسبب انخفاض مقلق وكبير في احتياطيات العراق من العملة الصعبة”، مشيراً إلى أنها تبلغ 52 مليار دولار فقط حالياً، بعد اقتراض الحكومة مبالغ كبيرة من البنك من دون أن تعيدها، وكانت القروض تستهدف شراء سلاح وتمويل صفقات الذخيرة للجيش، ودفع مرتبات الموظفين وأفراد القوات المسلحة ومليشيات الحشد الشعبي.
وأضاف المسؤول، “أن جزءاً من المال المفقود تتحمل مسؤوليته إدارة البنك المركزي، لوجود شبهات تلاعب في مزاد بيع العملة اليومية، وتفاوت كبير بين السعر الذي تبيع به مع السعر في السوق”.
وتابع “ليس العملة الأجنبية فقط، بل حتى احتياطي الذهب شهد تراجعاً، حيث كان العراق يمتلك احتياطيا من الذهب يبلغ 89 طنا نهاية عام 2015، ولا يوجد حالياً سوى نحو 80 طنا إجمالي احتياطي الدولة العام، ولا نعرف أين ذهب الباقي؟”.
في علم الاقتصاد يجب ان يغطي رصيد اي دولة من الاحتياطيات الأجنبية احتياجات 6 أشهر على الأقل، وأنه إذا وصل إلى ما دون احتياجات 3 أشهر، فهذا يعني الوصول لمرحلة الخطر، وأية تطورات سلبية باحتياطي النقد، يعني دخول البلاد مرحلة الخطر الحقيقي.
وهنا لابد من ذكر اهمية الاحتياطي النقدي لاي دولة ، بالاضافة الى الاسباب التي ادت الى تراجع الاحتياطي النقدي في العراق وهي كما يلي :
وفقاً لتقرير أصدره صندوق النقد الدولي في نهاية تشرين الثاني 2015 ان الاحتياطات النقدية في العراق تبلغ 59 مليار دولار ولا تكفي الا إلى ما يعادل 9 أشهر من واردات السلع والخدمات بنهاية ذلك العام ، بسبب تراجع إيرادات البلاد النفطية، وهنا نشير الى ان هذا الرقم تراجع في عام 2016 وهو مرشح للتراجع بشكل كبير في هذا العام 2017 الى حوالي 30 مليار دولار وهو خطر على البلاد اذ ان هذا الرصيد لا يكفي حتى لثلاث شهور.
ويشير الخبراء الى أن استمرار الزيادة في قيمة فاتورة الواردات، دون أن يقابلها زيادة في قيمة الصادرات، فهذا معناه ارتفاع تكاليف المعيشة، وتعرض الشريحة من الطبقة المتوسطة للسقوط في الشرائح العليا من الطبقة الفقيرة.
وكان مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، قال في شهر مايو/أيار من العام الماضي 2016، إن العراق سيعاني من فجوة مالية بقيمة 50 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، ما “سيعرض المشاريع العراقية واستقرار البلاد لخطر كبير”.
لقد اسهمت عوامل كثيرة في تراجع الاحتياطي النقدي الاجنبي، نذكر منها على سبيل المثال للحصر الحرب على داعش، انهيار اسعار النفط، الفساد بكافة اشكاله، غياب الشفافية، وأعتماد الحكومة على خطط غير فعالة للخروج من الأزمة الاقتصادية، والكثير من الاسباب التي ادت الى وقوف الدولة العراقية على مفترق طرق، حيث باتت اليوم في مصاف الدول الأكثر فسادا، وأكثر الدول انعداما للاستقرار والامن، وهنا على الحكومة ان تسعى بشكل جدي ودؤوب لزيادة مواردها وربما كان عليها اللجوء اكثر الى القروض الدولية، ناهيك عن ملاحقة الاموال المنهوبة خارج العراق وداخله، ومحاربة الفساد وهي الاكثر أهمية بين كل ما سبق لتتمكن من انتشال البلاد من اتون أزمة اقتصادية حادة في المستقبل .
عامر العمران
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية