اياد العناز
الأسس الرئيسية والمرتكزات المهمة التي تمثل حقيقة نشوء وتكوين الدولة إنما تعتمد على مقومات عديدة لا يمكن مغادرتها او الاستغناء عنها إذا ما أردنا أن نتحدث عن المفهوم السياسي والاجتماعي الذي يتعلق بكيفية الإحاطة بجميع أركان الدولة التي تمثل الإنسان والأرض والسيادة التي تراها الحكومة وما يترتب عليها من اهتمام وتنفيذ وعلاقة مابين السلطات الثلاثة ( التشريعية والتنفيذية والقضائية) في أي دولة ترعى مصالح شعبها وتهتم بالحفاظ على الاستقلال السياسي وحماية أمن شعبها وسلامة حدودها واستقلالها الإقتصادي القائم على استخدام ثروات البلاد لتقدم ورفاهية الشعب وتأمين مستقبل الأجيال القادمة.
وبداية علينا أن نوضح المفهوم الحقيقي للدولة بأنها الإطار السياسي والتظيمي والمرجع الأعلى الذي يشرف على كافة أمور الحياة في المجتمع، وهي بذلك تتمتع بالسيادة التي تمثل الإرادة الحقيقية لها والشخصية المعنوية التي تحتويها.
وللدولة مهام ووظائف عديدة تتمثل بضبط حركة المجتمع وتأمين السلم الإجتماعي وتحقيق العدالة ورسم ملامح التقدم والرخاء عبر صيانة الدستور والحفاظ على الإستقلال السياسي والإقتصادي.
ومن أهم أركان الدولة، الشعب الذي لا يتحدد بعد أفراد المجتمع فقد يكون عبر الملايين أو الآلآف وإنما الأساس في هذا الركن المهم تحقيق حالة الترابط والتماسك المجتمعي ووحدة المصالح والأهداف للبلاد وتحقيق حالة التأزر والتلاحم الشعبي بين جميع مكونات وأفراد المجتمع.
والدولة تتألف من ثلاثة مقومات أساسية لوجودها(السكان، الحيز الجغرافي والسلطة التي تحددها السيادة)، وتعرف الدولة بأنها تنظيم سياسي للمجتمع أو هيئة سياسية أو تحديد مؤسسات الحكومة، وهي شكل من أشكال المؤسسات الإنسانية التي تتميز عن الفئات والمؤسسات الأخرى من خلال الغرض الخاص بها وهو تأسيس الأمن والنظام، وأساليبها المطبقة من خلال النظام والقوة، وأقاليمها أي المناطق الخاضعة لها وحدودها الجغرافية وسيادتها، كما تتكون الدولة من اتفاق الأفراد على عدة وسائل وأساليب يمكن بموجبها تسوية النزاعات باتباع القوانين.
وتعبر الدولة عن مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية وإقتصادية وإجتماعية والتي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.
ويتحقق معنى السيادة القانونية في امتلاك الدولة لحقها المطلق والمستقبل في إصدار القوانين وتعديلها وتفسيرها، وتحديد السيادة السياسية عبر مفهومين، السيادة الداخلية بتحقيق العدالة واحترام حقوق الإنسان وضمان حرية الرأي والتعبير وتطبيق القوانين والأنظمة وتحقيق العدالة الإجتماعية، والسيادة الخارجية القائمة على صيانة استقلال البلاد ورفض التبعيات والتدخلات الخارجية وصد اي عدوان غاشم يستهدف حدود البلاد الدولية ومهمة إقامة العلاقات مع دول العالم والهيئات والمنظمات الدولية بما يراعي مصلحة أبناء الشعب وحماية مكتسباتهم.
والعمل على تحقيق الأمن والإستقرار داخل المجتمع الواحد في أجواء مليئة بالحوار واحترام الرأي الآخر وتقبله وتوفير فرص العمل لجميع المواطنين داخل الدولة الواحدة و محاسبة الفاسدين الذين يسيئون للمصلحة الوطنية واستغلالهم لموارد الدولة وسرقتهم للمال العام وتحقيق الركن المهم في حماية المواطن وتعزيز مكانته وكرامته والحرص على تحقيق الأمن الإقتصادي والإجتماعي والفكري.
وهنا يجب أن تقوم السلطات الثلاث بدورها الريادي في قيادة حركة المجتمع عبر التزامها وقيامها بواجباتها بصورة دقيقة وبأدوات حقيقية وشفافية واضحة، فالسلطة التشريعية التي يتم انتخابها من قبل أفراد المجتمع والتي تسمى بمجلس النواب أو مجلس الأمة، مهمتها اصدار القوانين وتعديل الدستور واقرار الميزانية والإشراف على فرض الضرائب والرقابة على السلطة التنفيذية ومنحها الثقة أو حجبها عنها، وتعتبر السلطة التشريعية الممثل الحقيقي لسيادة الشعب واحترام إرادته، أما السلطة التنفيذية فهي التي تتعلق مهامها بإدارة الدولة وتطبيق قرارات السلطة التشريعية وقوانينها الصادرة عنها وتنظيم أمور البلاد المالية وصيانة حقوق الأفراد وحماية حدود الدولة وتنشيط الإقتصاد الوطني وتقديم الخدمات للمواطنين المتعلقة بالتعليم والصحة والإسكان، وأما السلطة القضائية فتعمل على تفسير القوانين والفصل في الخصومات والالتزام باستقلالية القضاء وتحقيق العدالة الإجتماعية والإلمام بالقوانين والخبرة العملية.
وتأكيد مبدأ الفصل بين السلطات الذي يعتبر أهم المبادئ الدستورية في الدول الديمقراطية المعاصرة، ويعني وجوب الفصل بين السلطات الدستورية الأساسية ( التشريعية والتنفيذية والقضائية)،
ويقصد بالفصل بين هذه السلطات الفصل الشكلي أو العضوي: أي توجد هيئة أو سلطة تتولى وظيفة التشريع، وهيئة أو سلطة تتولى وظيفة التنفيذ، وهيئة أو سلطة تتولى وظيفة القضاء.
أما الدستور فهو الذي يبين نظام الحكم في الدولة، وتشكيل السلطات العامة وتوزيع الاختصاصات بينها، وكيفية ممارستها كما يبين حقوق الأفراد والوسائل اللازمة لضمانها وصيانتها.
فالدستور يشكل حالة قانونية ملزمة لسلطات الدولة، يبين حدود واختصاص كل سلطة لا تستطيع تجاوزها، وإلا تكن قد خالفت أحكام الدستور وفقدت السند الشرعي لتصرفها، وأحكام الدستور تقع في قمة هرم النظام القانوني وتسمو على ما عداها من قواعد قانونية.
ولا تتحق هذه الأهداف إلا بوجود قضاء مستقل يشكل أهم الدعامات الأساسية لحماية الدستور وقوانينه، وعلى استقلال القضاء يتوقف الوجود الفعلي لبقية مقومات الدولة، فلا قيمة للدستور ولا لمبدأ الفصل بين السلطات ولا لضمان الحقوق والحريات الفردية، إلا بوجود رقابة قضائية تضمن احترام الدستور وبقية القواعد القانونية وتضمن ممارسة كل سلطة وظائفها في حدود مبدأ فصل السلطات وتضمن حماية الحقوق والحريات الفردية، ولا قيمة لهذه الرقابة القضائية إلا إذا كانت السلطة القضائية مستقلة تماماً، وبعبارة أخرى يعتبر القضاء المستقل العنوان الحقيقي للدولة القانونية.
ولأجل بناء دولة حضارية مدنية متقدمة يجب تحقيق
الهوية الوطنية التي تتشكل من مفاهيم راسخة تمثل رسوخ وثبات المجتمع بكل اطيافه ومكوناته وحقها الكامل من المواطنة الحقيقة التي تساوي بين الحقوق والواجبات للجميع.
والهوية الوطنية الواحدة تمثل الوعاء الوطني الكبير الذي يعترف ويوثق ويستوعب كل طوائف ومكونات المجتمع، ويخلق منه كيانًا كبيرًا وقويًا يمثل الجميع ولا يقصي أو يلغي أحدًا، بل يقويه وينميه داخل الإطار الوطني العام الذي يقوي كل مكوناته.
وبناء الدولة الوطنية، لا تعني السيطرة على حركة الناس السياسية، بل لا بد من ترك المجال واسعًا أمام الصراع والتنافس السلمي السياسي، فالتضييق في الجانب السياسي والتشدد على المواطنين، بالنتيجة لا بد أن يتعرض الواقع لمخاطر عديدة، والصحيح ان يترك لأبناء الشعب حرية اختياراتهم وارائهم السياسية وتعاملاتهم الاقتصادية بما يحقق سلامة الأمن القومي للبلاد وتعزيز الجبهة الداخلية بعيداً عن أي أزمات أو مواجهات بين الشعب والسلطة التي عليها احترام وصيانة حقوق المواطنين وتحقيق الهدف الأساسي في علاقتها مع الشعب وبناء جسور الثقة التي تشعرهم بأن الدولة هي الحصن الذي يمثل حمايتهم والحفاظ على مستقبل أبنائهم.
وأمام هذه المتطلبات والأهداف السامية في بناء الدولة الحديثة القائمة على أصول حماية المواطن وتعزيز استقلال البلاد، فأن الشعب العراقي الذي يمثل حضارة وامتداد تاريخي عميق وأصول وقيم روحية ومبادئ اخلاقية قائمة على الالتزام واحترام القوانين والأنظمة وتعزيز مفهوم الدولة الحضارية ولكون تأريخه يمتد عبر آلاف السنين التي تمثل الحضارات الإنسانية عبر التاريخي ولكنه خاض العديد من المواجهات في سبيل الحفاظ على بلده وصون كرامته و والحفاظ على مكتسبات أبنائه التي بناها بجهد وعمل دائم ومستمر شكل المسيرة الوضاءة التي تميز بها عن باقي شعوب العالم، فهو الأجدر بأن تكون دولته أكثر تأثيرًا ووجودًا وأن تصان حريته وتحفظ كرامته عبر تحقيق العدالة الإجتماعية وتطبيق القوانين والأنظمة والمساواة المجتمعية والطبقية وتعزيز دور السلطات الثلاث بما يحفظ سلامة البلاد وتنفيذ دعائم الدستور وفق الرؤية التي تحقق ورفاهية المجتمع العراقي وتعزيز حالة التماسك بين جميع مكوناته بعيداً عن الأغراض السياسية والمناكفات والصراعات الحزبية وان تلتزم جميع السلطات بدورها الإصلاحي والتنفيذي والتشريعي خدمة للمواطن والأخذ بيده نحو الرقي والبناء والإصلاح لكي تسود مفاهيم وأسس الدولة الوطنية القائمة احترام إرادة الشعب ومنع التمييز بين مكون على حساب أخر، وأن تكون للدولة هيبتها وسلطتها الفاعلة في تعزيز الأمن الداخلي وحماية مكتسبات الشعب وأن تكون لها القدرة على منع أي تأثيرات خارجية إقليمية ودولية تتعلق بأمن وسلامة البلاد ومنع أي جهات داخلية حزبية كانت أو عبر فصائل مسلحة أن تهيمن على مقدرات البلد.
إن تحقيق السيادة إنما يتأتى من مدى قدرة السلطات كافة على حماية الأرض وسلامة الحدود وتأمين مستلزمات الحياة الحرة الكريمة لأبناء الشعب.
وحدة الدراسات الإقليمية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة