الباحثة شذى خليل*
وبينما يُظهِر الاقتصاد الإيراني علامات التعافي، وهو ما يتناقض بشكل حاد مع صراعات جارته العراق، تطرح أسئلة حول الأسباب الكامنة وراء هذا التباين الصارخ. فهل كان نجاح إيران نتيجة للمناورة الماهرة في مواجهة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، أم أنه نتيجة لتخطيط اقتصادي متفوق؟ دعونا نتعمق في الأرقام والديناميكيات التي تشكل المشهد الاقتصادي لهذه الدول.
ارتفع التبادل التجاري الإيراني مع مختلف البلدان بنسبة 2.6%، ليرتفع إلى أكثر من 153 مليار دولار خلال العام الفارسي، الممتد من أبريل/نيسان 2023 إلى مارس/آذار 2024. ويعد مسار النمو هذا، على الرغم من العقوبات الأمريكية المستمرة، بمثابة شهادة على مرونة إيران وقدرتها على التكيف. وبلغت الصادرات الإيرانية، بما في ذلك السلع غير النفطية وغير الكهربائية، 87 مليار دولار، حيث ساهمت الصادرات النفطية بحوالي 36 مليار دولار. وسجل الميزان التجاري للبلاد فائضا تجاوز 20 مليار دولار، مما يؤكد قوة اقتصادها.
من بين العوامل الرئيسية التي تغذي النهضة الاقتصادية الإيرانية علاقاتها التجارية المزدهرة، وخاصة مع الدول المجاورة مثل العراق. وارتفعت الصادرات الإيرانية إلى العراق بنسبة 30% في الأشهر السبعة الأولى من العام، لتصل إلى 2.6 مليار دولار. وعلى الرغم من التحديات التي تفرضها القيود المفروضة على العملة وتقلبات أسعار الصرف في العراق، تستمر البضائع الإيرانية في التدفق إلى السوق، مما يحافظ على مسار النمو الذي من المتوقع أن يشهد ارتفاع الصادرات إلى العراق إلى 12 مليار دولار بحلول نهاية العام.
وعلى العكس من ذلك، يواجه العراق تحديات اقتصادية تفاقمت بسبب سوء الإدارة الداخلية والضغوط الخارجية. ويواجه الاقتصاد العراقي، الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، تقلبات وسط تقلب أسعار النفط والتوترات الجيوسياسية. وفي حين انخفضت الإيرادات النفطية بشكل طفيف، شهدت الإيرادات غير النفطية ارتفاعا متواضعا. ومع ذلك، ارتفع إجمالي النفقات الحكومية بنسبة 37%، متجاوزًا نمو الإيرادات، مما سلط الضوء على الاختلالات المالية والضغوط المالية.
وقد أدت محاولات العراق لتنظيم سوق صرف العملات الأجنبية إلى إعاقة التجارة عن غير قصد، وخاصة مع إيران. وأدت القيود المفروضة على العملة والافتقار إلى البنية التحتية المصرفية لتسهيل المعاملات مع النظراء الإيرانيين إلى إعاقة تدفق البضائع، مما خلق عقبات أمام المستوردين والمصدرين على حد سواء. وعلى الرغم من الجهود التي يبذلها العراق لتنويع الشركاء التجاريين، تظل إيران لاعباً محورياً، حيث تمثل بضائعها جزءاً كبيراً من واردات العراق.
إن التفاوت بين قدرة إيران الاقتصادية على الصمود والصراعات التي يواجهها العراق يسلط الضوء على أهمية الحكم الفعّال والتخطيط الاستراتيجي. ورغم أن العقوبات تفرض بلا شك تحديات، فإن الاستجابات السياسية البارعة والتدابير الاستباقية من الممكن أن تخفف من تأثيرها، كما يتبين من جهود تنويع التجارة التي تبذلها إيران وارتباطاتها الدبلوماسية مع البلدان المجاورة. وفي المقابل، تنبع المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها العراق من مزيج من أوجه القصور البنيوية، وسوء الإدارة المالية، والضغوط الخارجية، الأمر الذي يستلزم إجراء إصلاحات شاملة لتعزيز النمو المستدام والاستقرار.
ومع استمرار المسار الاقتصادي الإيراني في الصعود، يجب على صناع السياسات في العراق إعطاء الأولوية للإصلاحات الهيكلية، وتعزيز القدرة المؤسسية، وتعزيز بيئات الأعمال المواتية لتحفيز النمو وتخفيف الاعتماد على عائدات النفط. إن الجهود التعاونية بين إيران والعراق، بما في ذلك الحوار بشأن تسهيل التجارة وآليات تبادل العملات، ضرورية لتعزيز الرخاء المتبادل والاستقرار الإقليمي.
في الختام، في حين أن العقوبات تمثل بلا شك تحديات، فإن مرونة إيران الاقتصادية وعلاقاتها التجارية المزدهرة تؤكد أهمية الحكم الاستباقي والتخطيط الاستراتيجي في التعامل مع المشهد الاقتصادي المضطرب. وعلى العكس من ذلك، تسلط النضالات التي يعيشها العراق الضوء على الحاجة الملحة إلى إصلاحات شاملة لمعالجة أوجه القصور الجهازية وتعزيز النمو المستدام. وبينما ترسم هذه الدول المجاورة مسارات متباينة، فإن الدروس المستفادة من تجاربها تكون بمثابة تذكير مؤثر بالدور المحوري الذي يلعبه الحكم في تشكيل المصائر الاقتصادية.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية