المناورة بالذخيرة الحية بين إيران وإسرائيل.. هل حققت أهدافها؟

المناورة بالذخيرة الحية بين إيران وإسرائيل.. هل حققت أهدافها؟

جاء الهجوم الإيراني على إسرائيل في اليوم الثالث عشر من نيسان 2024 ردًا على التعرض الكبير الذي قامت به القوات الجوية الإسرائيلية بطائرات أف 35 على مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية ( دمشق) في صباح الأول من نيسان 2024 وأدى إلى مقتل مسؤول القيادة الميدانية لقوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان وفلسطين ( محمدرصا زاهدي) مع مجموعة أخرى من القيادات العسكرية العاملة معه، وفي هذه المرة لم تكن القيادة الإيرانية قادرة على التغاضي عن هذا الفعل أو الهجوم الذي طال إحدى مكامن السيادة التابعة لها والتي تعتبر ضمن القانون الدولي والعلاقات السياسية بين دول العالم رمزًا من رموز وجودها على الأرض، لتبتعد قليلًا عن التمسك بسياسة الصبر الإستراتيجي التي طالما اتخذتها لتجنب الرد وخوفًا من أي تداعيات عسكرية وأمنية تشكل خطرًا على بقاء النظام الإيراني الذي يعاني من أزمات إقتصادية وإجتماعية وانهيار في العملة الوطنية ويحاول إيجاد حلول جذرية لمعالجتها.
جاء الرد الإيراني بعد اسبوعين من الهجوم الذي أدى إلى تدمير القنصلية الإيرانية ولكي يكتسب الرد أهمية ميدانية كان عبر أراضيها وأراضي بعض الفصائل والمليشيات المسلحة التي تهمين عليها في لبنان والعراق واليمن، فأطلقت وعلى مدى خمس ساعات مئات من الطائرات المسيرة والعشرات من صواريخ كروز و الصواريخ بعيدة المدى، والتي أعلنت إسرائيل انها أسقطت معظمها بمشاركة سلاح الجو الأمريكي والفرنسي والبريطاني، وقسم منها أصاب بعض المواقع العسكرية أبرزها قاعدة نيفاتيم الجوية في صحراء النقب واحد المطارات العسكرية مخصص لطائرات إف 35.
سبق الهجوم الإيراني تبادل عدة رسائل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران عبر الحكومة التركية مضمونها أن تكون العملية الإيرانية ضمن حدود معينة وأهداف محددة، وأراد النظام الإيراني منها تحقيق الغاية الأساسية وهي الإنتقال إلى سياسة الردع والردع المقابل وتحقيق ردع استباقي واستعادة أدوات الصبر الإستراتيجي الذي بنتها إيران ودعت فيها إلى التهدئة والاستجابة للطلب الأمريكي في تحديد نوعية وأماكن الاستهداف واعادة ترتيب قواعد الاشتباك دون الانزلاق إلى حرب شاملة لا تريدها جميع الأطراف.
وبهذا يكون النظام الإيراني قد حقق استراتيجية جديدة في المواجهة مع إسرائيل بالاتجاه من حروب الظل والوكالة إلى مواجهات علنية وبأسلحة مختلفة وطرق وأساليب جديدة اعتمدت على تحديد الأهداف وتعيين الغايات.
سعت الإدارة الأمريكية جاهدة على عدم توسيع نطاق العملية كما كانت هي أهدافها في عدم التصعيد العسكري والحفاظ على دائرة المواجهة والابقاء على القتال في محور قطاع غزة منذ اليوم السابع من تشرين الأول 2023.
جاء الهجوم الإيراني ليمثل المرحلة التالية من البحث عن التوازن العسكري والردع المتبادل في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي واعادة مفهوم معادلة الردع، ولكنها لم تحقق الغاية التي كان يبحث عنها الإيرانيين والتي رغبوا فيها بسبب الموقف الأمريكي والإصرار على المشاركة في رد الهجوم الأمريكي وعدم توسعه، ولهذا كان الموقف الإيراني من العملية الهجومية وكما جاء على لسان المرشد الأعلى علي خامنئي بأنها تمثل ( الانتقام المرير)، والتي رأي فيها أركان النظام عدم إمكانية التراجع بعد أن ظهر المرشد علي خامنئي متكئاً على قناصة (دراغانوف) الروسية في خطبة عيد الفطر ليكرر (وعده الصادق) بالرد على استهداف إسرائيل الأرض الإيرانية في القنصلية.
وحصل وان جاءت العملية لحفظ ماء الوجه أمام الفصائل المسلحة التابعة للحرس الثوري الإيراني وللقيادات الحزبية والشخصيات السياسية والمؤيدين من أبناء الشعب الإيراني لقيادتهم، ولهذا كان التوجه من قبل قيادات النظام بالاحتفال بعد انتهاء الهجوم الإيراني في الشوارع والساحات العامة وعند قبري قاسم سليماني ومحمد رضا زاهدي وهي دلالة رمزية عن حالة الثأر والردع لإسرائيل على مقتل القيادات العسكرية الإيرانية.
تبقى غاية النظام انه تمكن من تحقيق الغرض السياسي التعبوي والاعلامي الشعبي الموجه بوصول مئات الصواريخ والطائرات المسيرة إلى إسرائيل او بالقرب منها، والذي جاء امتثالًا لتوجيه المرشد علي خامنئي بقوله ( أن إسرائيل ستنال العقاب وان الهجوم على قنصليتنا يعني الهجوم على أراضينا) وأكد هذا الإلتزام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بقوله (أننا نعتبر هذا العدوان انتهاكاً لجميع الأعراف الدبلوماسية والمعاهدات الدولية، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فقد توازنه العقلي تمامًا بسبب الإخفاقات المتوالية في غزة وفشله في تحقيق أهدافه)، ولهذه الأسباب كان لا بد للقيادة الإيرانية من الرد لكي تستعرض قوتها العسكرية وتستعيد هيبتها الداخلية وتطمنين أذرعتها ووكلائها من مقاتلي الفصائل والمليشيات المسلحة بأنها لا زالت قوية وقادرة على المواجهة بعد أن شعر النظام الإيراني ان هناك جوانب من الثقة به قد اهتزت من قبل مؤيديه ومريديه وتحديدًا العاملين ضمن إطار محور المقاومة والذي أرادت إيران أن يكون عنوان لمواجهة القوات الإسرائيلية ولتحقيق أهدافها في مشروعها السياسي في التمدد والنفوذ داخل أراضي بلدان محور المقاومين والاستفادة من المكاسب والمنافع التي تمثل التضحيات الكبيرة والجسيمة التي يقدمها أبناء الشعب الفلسطيني واتخاذ قضية التحرير واعادة الأراضي المحتلة سياسة ذهنية تخاطب العقول الإيرانية والإسلامية لكي يستمر المشروع والمنهج الإيراني التوسعي.
إن الذي يريد تحرير القدس الشريف لا يعمل على مواجهة الشعب العربي وتدمير البنى الوطنية في العواصم العربية ( بغداد ودمشق وبيروت صنعاء)، وهذا ما يمثل أدوات ومستلزمات المشروع الإيراني الذي يستهدف مستقبل الأمة العربية و جودها.
أن الهجوم الإيراني جاء ضمن قواعد الاحتواء بضبط أمريكي واضح واصرار على حماية إسرائيل والدفاع عنها وتأكيد أهمية المصالح الأمريكية والأوربية في تأمين الحماية الدائمة لإسرائيل، ويمكن أن ننظر للعملية على أنها مناورة بالذخيرة الحية بين إسرائيل وإيران، فالأولى اختبرت أدواتها ووسائلها الدفاعية ومكانتها الدولية عبر المساندة الفعلية، وأما إيران فقد تمكنت من معرفة فاعلية ووصول طائراتها المسيرة وصواريخها بعيدة المدى، وأشرت حقيقة ثابتة في الموقف الأمريكي من ابقاء أي عمليات عسكرية بعيدة عن الداخل الإسرائيلي، كما وان التوجه الفعلي الإسرائيلي الان يتجه إلى معالجة الرد الإيراني والابتعاد عن ما يحصل في غزة وتحديدًا القادم فيما يتعلق بمنطقة رفح الفلسطينية وتعليق ما يجري من مفاوضات حتى الانتهاء من التعامل مع الشأن الإيراني، وهذا ما يكسب الحكومة اليمينة برئاسة نتنياهو وقتًا مهمًا كانت بحاجة إليه لتحقق مكاسب داخلية أدت إلى جمع الإسرائيلين المؤيدين منهم والمعارضين لدعم خيار المواجهة القائمة مع إيران وإمكانية امتدادها لحزب الله في جنوب لبنان، وتبقى حقيقة ثابتة في نهاية الأمر أنه ليس ثمة من قوة دولية غير الولايات المتحدة تملك القدرة العسكرية والدبلوماسية لكبح الطموحات الإيرانية المدمرة، وذلك عبر ضبط النزاع المتصاعد بين إسرائيل وإيران واحتواء مضاعفاته المدمرة على المدى البعيد.
فهل تبقى إسرائيل بعيدة عن أي رد مماثل للهجوم الإيراني وتلتزم النصائح الأمريكية، أم تتجه نحو تصعيد ميداني وهجوم مباغت على إيران او أهداف لها في المنطقة؟
وإن حصل أي انتقام إسرائيلي محتمل فمن الواضح أن هذه هي بداية لحقبة جديدة تشهدها المنطقة، وهل سنرى قيام إسرائيل بتوجيه ضربة مضادة تكون محدودة لا تؤدي إلى رد إيراني كبير آخر؟
هذا ما سوف نراه في الأيام القادمة.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركر الروابط للبحوث والدراسات الاستراتبجة