واستدعت تصريحات المسؤولين الأتراك العديد من التساؤلات عن الموقف التركي الداعم للقضية الفلسطينية والمعروف بدفاعه عن مقاومة الفلسطينيين، حتى بعد استعادة أنقرة لعلاقاتها مع تل أبيب وما تلا ذلك من تبادل للسفراء بين البلدين أواخر العام الماضي.
فقد أدان يلدرم في تغريدة من حساب رئاسة الوزراء وأخرى من حسابه الشخصي في موقع تويتر عملية الدعس التي وقعت في جبل المكبر بالقدس ووصفها بالعملية الإرهابية، معبرا عن أسفه على الأرواح التي أزهقت فيها.
وبالتزامن عبر نائبه للشؤون الاقتصادية محمد شيمشك في تغريدة أخرى عن إدانته للعملية ووصفها بالقذرة، داعيا إلى “توحد الأمم ضد الإرهاب”.
وكان الفلسطيني فادي القنبر (28 عاما) من جبل المكبر قد نفذ عملية دعس مستخدما شاحنة ثقيلة أسفرت عن مقتل أربعة جنود من وحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي وإصابة 15 آخرين بجراح، بينهم ثمانية في حالة الخطر، وفق ما أعلنته شرطة الاحتلال.
فخ التضليل
وبادر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بعد العملية التي لم تتبنها أي جهة أو فصيل فلسطيني حتى الإعلان إلى علاقة منفذها بتنظيم الدولة الإسلامية، وقال إنها واحدة من العمليات التي ينفذها التنظيم في كافة دول العالم.
وزعم نتنياهو أنه من الممكن إيجاد صلة بين العملية والعمليات التي نفذها التنظيم في فرنسا وبرلين، الأمر الذي فنده المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية ميكي روزنفيلد قائلا “ليس هناك احتمالات بوجود خلايا نشطة لتنظيم الدولة في إسرائيل”.
لكن التصريحات الإسرائيلية وجدت طريقها السالك لدى صانع القرار في أنقرة التي عانت بشدة مؤخرا من هجمات التنظيم، والتي أوقعت عشرات القتلى الأتراك خلال الشهور الأخيرة.
وقال جان آجون الباحث في مركز ستا للدراسات بالعاصمة أنقرة إن تصريحات نتنياهو بمسؤولية تنظيم الدولة عن العملية خلقت صورة إعلامية استند إليها المسؤولون الأتراك في تصريحاتهم التي “هدفت للتعبير عن إدانتهم للإرهاب بشكل عام دون أن يكون المقصود إدانة المقاومة الفلسطينية”.
وأضاف آجون للجزيرة نت أن الحكومة التركية تدعم المقاومة الفلسطينية دائما، وأن حكومة حزب العدالة والتنمية بالذات تدعم مقاومة الفلسطينيين بشكل علني وواضح، وتقف ضد الاحتلال الإسرائيلي وترفض سياسات راعيه الأميركي، وقد دفعت مقابل ذلك ثمنا باهظا.
وتابع “التصريحات جاءت ضمن الصورة التي رسمها إعلان نتنياهو، أما الموقف التركي فهو لم يتخلى عن دعمه للقضية الفلسطينية ولن يتخلى عن ذلك”.
سوء التقدير
من ناحيته، عزا المحلل السياسي المتخصص بالشأن التركي معين نعيم التصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء التركي ونائبه إلى “سوء تقدير للموقف يرتبط بأداء المستشارين للمسؤولين”.
وقال للجزيرة نت إن التصريحين حملا معلومات مغلوطة تتعلق باستهداف العملية للمدنيين في الوقت الذي كان فيه كل القتلى والجرحى من الجنود، وعن تبني تنظيم الدولة للهجوم وهو الأمر الذي لم يحدث فعلا، مضيفا “المعلومة الخاطئة تبني موقفا خاطئا وهذا ما حصل في التصريحين”.
وعبر نعيم عن قناعته بأن المواقف التي صدر عن رئيس الوزراء ونائبه لا يمكن أن توصف بالمواقف الشخصية، حتى وإن صدرت على أدوات نشر خاصة بأي منهما.
وقال “تصريح يلدرم ورد من موقعه الرسمي، أما في حالة تصريح شيمشك فحتى لو نشر على موقعه الشخصي فإنه يحمل الصفة الرسمية نظرا لمنصبه، وهو يبقى موقفا رسميا ما لم يصدر أي بيان أو توضيح مخالف”.
جدل حاد
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي قد شهدت حالة من الجدل الحاد حول تصريحات المسؤولين الأتراك، وغرد ناشطون وإعلاميون فلسطينيون وعرب وأتراك باللغات العربية والتركية والإنجليزية على وسم المقاومة الفلسطينية ليست إرهابا.
كما نشر الرسامون وصانعو المضمون المرئي أعمالا غرافيكية وتصاميم فنية وكاريكاتورات تلفت النظر إلى مشروعية المقاومة الفلسطينية، بينما أصدرت رئاسة مؤتمر فلسطينيي تركيا بيانا أعلنت فيه أن للشعب الفلسطيني الحق في مقاومة الاحتلال.
وعاد محمد شيمشك بعد هذه الحملة للإعلان عن تراجعه الضمني عن تصريحه مغردا بالقول “إدانتي للإرهاب ليس لها علاقة بالحق المشروع للشعب الفلسطيني ومعاناته”.
خليل مبروك
الجزيرة نت