برلين – تنظر السلطات الألمانية بقلق إلى حالة التوتر التي تتسم بها علاقات السنة والشيعة داخل الجالية الإسلامية المتواجدة في ألمانيا.
وعلى الرغم من عدم تسجيل صدامات خطيرة بين المنتمين إلى المذهبين في البلاد، إلا أن الجالية المسلمة في ألمانيا متأثرة بحالة الانقسام المذهبي الشائع في عدد من البلدان الإسلامية.
ويزداد شعور الجالية الشيعية في ألمانيا بالتهديد بسبب توسع التيار السلفي المتطرف هناك، وعلى الرغم من عدم استناد هذا الشعور على صدامات حقيقية مسجلة، إلا أن وكالة الأنباء الألمانية نقلت عن أحد أعضاء مجلس إدارة الجمعية الإسلامية للجالية الشيعية بألمانيا داوود ناظيرزادا تصريحا قال فيه إنه “يزداد الخوف في أوساط الجالية الشيعية من إمكانية أن تصبح مساجدنا ومؤسساتنا أهدافا للهجوم بالنسبة للسلفيين الجدد”، موضحا أنه لهذا السبب تضع الجالية الشيعية حاليا أفراد أمن أمام أبوابها “أو يتم تفتيش الحقائب على المدخل”.
ويرى مراقبون لشؤون الجالية الإسلامية في ألمانيا أن الشعور بالتوتر بين الشيعة والسنة مرتبط بالأنشطة التي تقوم بها كافة التجمعات والتيارات والجمعيات الإسلامية التي غالبا ما تكون أدوات في يد الإسلام السياسي السني والشيعي.
ورأت أوساط ألمانية أن إثارة مسألة الشعور بالتوتر هدفه أيضا أن يبرز الجدل حول الوجود المسلم في إطار حملة الانتخابات المقبلة، خصوصا أن المستشارة أنجيلا ميركل تتعرض لحملة من تيارات سياسية داخلية ومن عواصم غربية بسبب خيارها بفتح الحدود أمام اللاجئين الوافدين من دول إسلامية.
ويكشف خبراء في شؤون الجماعات الإسلامية أن إيران تستخدم الجمعيات الدينية الشيعية لتقوية نفوذها داخل ألمانيا.
ولاحظ هؤلاء أن ميزانيات كبرى تنفق في سبيل تقوية هذه الجمعيات وتوسيع انتشارها، كما رصدت بعض الدراسات المتخصصة وجود استثمارات مالية ضخمة تنفقها الجمعيات الشيعية الممولة إما من إيران وإما من أموال الخمس في سوق العقارات داخل المدن الرئيسية في البلاد.
واستنتجت هذه الدراسات أن هذا السلوك هو امتداد لسلوك يمارس في أبرز العواصم الأوروبية، بحيث ظهر أن استثمارات عقارية وتجارية وخدمية ترتبط مباشرة بجمعيات تزعم القيام بأنشطة اجتماعية ودينية وثقافية.
وتظهر دراسة نشرها المركز الألماني للإعلام التابع لوزارة الخارجية الألمانية أن الغالبية العظمى من المسلمين متدينة إلى حد كبير، وأن المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا والبالغ عددهم خمسة ملايين تقريبا يندرجون ضمن السنة، وأغلبهم ينحدرون من تركيا. وهناك نحو 10 بالمئة فقط يتبعون الشيعة، وينحدر أغلبهم من إيران أو أفغانستان أو العراق. لكن الدراسة لاحظت أن عضوية المسلمين في الاتحادات والروابط الدينية نادرة نسبيا “20 في المئة”.
ويقول الباحث في شؤون التراث الإسلامي رشيد الخيون إنه “عندما تطرح قضية المنافرات بين المذاهب الإسلامية في بلد أوروبي، أو غير مسلم، فلا صلة للموضوع بحكومة أو مجتمع ذلك البلد، إنما له علاقة مباشرة بالمذاهب المذكورة نفسها.
وذلك أنها تنقل خلافاتها في بلدانها الأصلية إلى الساحة الأوروبية، فتتسابق على الإكثار من المساجد والحسينيات، والتباهي في الاحتفالات الدينية، يعيش المنتسبون إليها في غيتوات تفصلهم عن المجتمع الأوروبي”.
وتساءل الخيون في تصريح لـ”العرب” عن الداعي من وراء انشغال المجتمع الأوروبي بنزاعات أداء الطقوس الدينية، ملاحظا أنه “قد أصبحت ممارسة طقوس عاشوراء مكثفة في العواصم الأوروبية مقابل استعراضات السلفيين الدينية والمذهبية”.
ولفتت مصادر ألمانية إلى أن السلطات تراقب عن كثب الأنشطة التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات السلفية لتأطير الجالية الإسلامية السنية وتنظيم حضورها في البلاد.
ورأت هذه المصادر أن الغالبية العظمى من المسلمين في ألمانيا تتجنب التعامل مع أدوات الإسلام السياسي السني والشيعي، لكن الإغراءات المالية تسعى لجذب أكبر عدد ممكن من المسلمين للعمل داخل أجندات سياسية لا علاقة لها بعيش المسلمين في ألمانيا.
العرب اللندنية