لندن – لم يعد ممكنا بالنسبة لأي لاجئ إلى أوروبا أو شمال أفريقيا أو أي مكان البقاء دون امتلاك هاتف ذكي. وفي الكثير من الأحيان يفضل اللاجئون السير لساعات للوصول إلى أقرب مكان يقدم خدمة “واي فاي” على الحصول على وجبة ساخنة في مكان قريب.
وبات الهاتف يشكل كل شيء بالنسبة للاجئين، إذ بإمكان الهاتف تحديد الأماكن الآمنة والجمعيات التي تقدم المساعدة وإبقاء اللاجئ على اتصال دائم بأسرته بالصوت والصورة، والتواصل عبر باقة واسعة من التطبيقات مع المهربين.
وكان على حكمة الله، وهو لاجئ أفغاني يبلغ من العمر 32 عاما، أن يختار بين الطعام والإنترنت، حيث قال لمحرر مجلة “الإيكونوميست” البريطانية “يجب علي أن أكون دائم الاتصال بزوجتي”.
واستوطن هو ومجموعة من أقاربه المسافرين معه في مخيم “أوينوفيتا” بقرب أثينا، وبسبب عدم توافر خدمة الإنترنت هناك، كان عليه أن يشتري بطاقة شحن رصيد لهاتفه، وهو ما كان يتسبب أحيانا في استمراره هو وأقاربه –أخته وصديقها وخمسة أطفال– في التضور جوعا.
وتشيع مثل تلك القصص دائما في مخيمات اللاجئين، حيث يمكن أن ينفقوا ثلث دخلهم المتاح للبقاء متصلين بالإنترنت بحسب تصريحات مفوضية شؤون اللاجئين ووكالة الأمم المتحدة للاجئين. فعلى سبيل المثال يلجأ اللاجئون العراقيون، الذين يعيشون في المخيمات بجوار مدينة دنكيرك الفرنسية، أحيانا إلى السير لأميال للعثور على خدمة “واي فاي” مجانية. ووفقا لمنظمات غير حكومية تعمل هناك، فإن السلطات الفرنسية تحجب عنهم خدمة الإنترنت بحجة رغبتها في إزالة تلك المخيمات.
وعلى الرغم من ذلك، يشتري بعض المقيمين شرائح اتصال باهظة الثمن تم تهريبها من بريطانيا.
وتقول كارلين ميتلاند، الأستاذة بجامعة بنسلفانيا، إن اللاجئين يدخلون “صحراء المعلومات” عند مغادرتهم لأوطانهم. وتتساءل “يصبحون في حاجة إلى أن يعرفوا أين يمكن أن يذهبوا؟ وفيمن يمكن أن يضعوا ثقتهم؟ حينها تصبح الهواتف الذكية طوق النجاة بالنسبة لهم”.
وعوضا عن كونها وسيلة اتصال بالعائلة في الوطن، يمكن عن طريق الهواتف الذكية معرفة تطورات الأخبار ومشاهدة صور لأصدقائهم وعائلاتهم ممن تمكنوا من الوصول إلى وجهة هجرتهم لتشجيع باقي المهاجرين لبدء رحلتهم. وتستخدم الهواتف الذكية أيضا في البحث عن الرحلات، كما تعتبر وسيلة اتصال جيدة بمهربي المهاجرين، وأي خبر عن اكتشاف طريق تهريب جديد وآمن وسهل ينتشر كالنار في الهشيم.
ويصف موريس ستيرل الباحث في “واتش ذا ميد” وهي منظمة غير حكومية تتابع حالات الوفيات ومعاناة المهاجرين، الهواتف الذكية بأنها “تشبه كثيرا الأنفاق السرية، غير أن لها صفة رقمية”، مشيرا إلى “الممرات السرية والمنازل الآمنة التي كان يستخدمها العبيد الأميركان في القرن التاسع عشر”.
وخارج مخيم موريا في مدينة ليسبوس اليونانية، بدأت أكشاك الطعام في الانتشار، حيث يتجمع حولها الكثير من المهاجرين الـذين يـشترون أرصدة لـشحن هواتـفهم.
ويشرح نجيب، وهو شاب سوري في الثلاثين من عمره ويدرس الهندسة، كيف يمكن لمعلومة صغيرة أن تحدث أثرا كبيرا. حيث سافر نجيب بالطائرة من اليونان إلى لندن، على عكس بقية المهاجرين الذين فاق عددهم المليون مهاجر، وسافروا إلى أوروبا عام 2015 إما بحرا وإما سيرا على الأقدام.
ودفع نجيب لمهربه مبلغ 10 آلاف يورو لاستخراج أكبر عدد ممكن من جوازات السفر المزورة. ونصحه مهربه بالسفر من أحد المطارات الصغيرة الواقعة على إحدى الجزر اليونانية لتراخي القبضة الأمنية هناك. وفي محاولة لمعرفة الوقت المناسب لركوب الطائرة، كان نجيب على اتصال دائم عبر هاتفه الذكي بمهربه، الذي ساعده كثيرا في اختيار الطائرة المناسبة.
العرب اللندنية