لندن – أعادت العمليات الإرهابية التي نفذتها “ذئاب منفردة” مرتبطة بتنظيم داعش في عدة بلدان أوروبية طرح التساؤلات حول أسباب تحمس الغرب الدائم لإيواء المتشددين الإسلاميين بالرغم من صدور أحكام قضائية ضد أغلبهم تتعلق بالعنف في بلدانهم الأصلية.
ويبدو أن الغرب بدأ يستفيق على حقيقة هؤلاء العقائديين الذين تحولوا إلى ذئاب بشرية اتخذت من مقومات الديمقراطية غطاء لنشاطها الذي بدأ على سبيل الدعوة وانتهى إلى التشدد وتنفيذ عمليات تستهدف المدنيين.
ولم تكن دول مثل بريطانيا قادرة على التفريق في الانطلاق بين لاجئ وآخر لاعتبارات عقائدية، ذلك أن العقيدة خيار فكري شخصي لا يمكن المس به أو تعريض صاحبه للمساءلة بسببه.
ولأنه من غير المقبول قانونيا أن يُحاسب المرء على عقيدته وطرق تفكيره، فقد كانت المؤسسة الأمنية غير قادرة على الاهتداء إلى الطريقة الأمثل للتعامل مع ظاهرة الإسلام السياسي التي هي مصدر كل الإرهاب الذي صار يضرب شرقا وغربا.
وظلت ظاهرة الإسلام السياسي في بدايات نشوئها لغزا وقفت أمامه الأجهزة الأمنية الغربية عاجزة عن تفكيك أسراره والاهتداء إلى مفاتيحه.
ويبدو أن تلك الأجهزة كانت قد أهملت تلك الظاهرة بناء على اعتقادها بأن أي نشاط عدواني يمكن أن ينتج عن الظاهرة ستذهب أضراره كلها إلى العالم الإسلامي، وهو اعتقاد يكشف عن قدر هائل من عدم الاكتراث بمصير الآخرين، لكنه ينسجم وظيفيا مع طرق التفكير الأمنية المعتمدة.
كريس دويل: يجب تدقيق تنظيمات الإسلام السياسي وتحديد المتورط في التشدد والتطرف
غير أن الوقائع التي شهدتها بريطانيا وسواها من دول اللجوء التي ترعرعت فيها ظاهرة الإسلام السياسي بطريقة آمنة أكدت خطأ ذلك الاعتقاد. وتأكد أن الإسلام السياسي هو ظاهرة أرست قواعدها على أساس ممارسة العنف ضد الآخر المختلف سواء كان ذلك الآخر مسلما أو لم يكن كذلك.
واعتبر رئيس مجلس التفاهم العربي البريطاني كريس دويل أن التشدد داخل تنظيمات الإسلام السياسي مشكلة عامة ليست في الدول الغربية فحسب بل تؤثر على أغلب دول العالم.
وطالب دويل في تصريح لـ”العرب” بتحرك السلطات ووضع حد لمن ينشر خطاب التشدد أو يقوم بتجنيد المتطرفين، مشيرا إلى ضرورة التدقيق في طبيعة تنظيمات الإسلام السياسي وتحديد من هو متورط في التشدد.
وقال “هناك صعوبات تواجه السلطات في تحديد من هو حقا متطرف ومن هو متدين فقط، ففي بريطانيا هناك اهتمام بالجالية المسلمة وإعطائها حقوق المواطن كاملة”.
ويشير خبراء في الظاهرة الإسلامية إلى أن التنظيمات المتشددة نجحت في استثمار تساهل الغرب، وخاصة تعدد الأجهزة الرقابية وتناقض تقييمها للظاهرة، فضلا عن سعي أجهزة أمنية إلى توظيف المتشددين ضمن أهداف تتعلق ببلدانهم الأصلية.
ويميل هؤلاء إلى القول إن هناك صراعا قائما في الغرب بين الأجهزة الأمنية وبين أجهزة المخابرات، وأن الإسلام السياسي هو في جزء من تركيبته عمل مخابراتي بحت، وأن أجهزة المخابرات الغربية على علم بذلك بل وساهمت فيه وأدارته بما يخدم خططها.ويمكن التذكير، هنا، بعلاقة المخابرات البريطانية ولاحقا المخابرات الأميركية بجماعة الإخوان المسلمين التي مثلت الأرضية الفكرية والتربوية التي تربى فيها من صاروا في ما بعد رموزا للإرهاب مثل أسامة بن لادن، فمنها تخرج كل زعماء الإرهاب بغض النظر عن مذاهبهم الفقهية.
وقال الخبير الأمني المصري فؤاد علام، إن مسألة الاتجاه السياسي نحو إيواء إرهابيين في بعض الدول الأوروبية، حملت رغبات غربية لاحتواء تلك العناصر وتطويعها لتنفيذ أجندتها السياسية.
وأضاف علام في تصريح لـ”العرب” أن استراتيجية أجهزة الاستخبارات الغربية في التعامل مع التنظيمات الإرهابية “تاريخية وأزلية ولم يجر إدخال تعديلات كثيرة عليها حتى الآن، وتقوم على تقديم الدعم اللوجيستي لتلك التنظيمات على أن تكون أذرعا لها خارج حدودها، لكن الأمر بدأ يصل إلى انقلاب تلك التنظيمات على الدول الداعمة لها”.
العرب اللندنية