بإنفاقها بكثافة من أجل الاحتفاظ بالروابط الجيوسياسية مع حزب الله في لبنان، تبدو إيران عاكفة على تأمين تواجد مطول في سورية. وقد لفت ذلك انتباه الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تخشى اتساع جبهتها الشمالية من جنوب لبنان إلى مرتفعات الجولان.
* * *
بيروت، لبنان- بعد نجاحها في تعزيز موقف الرئيس السوري بشار الأسد أمام طيف من المجموعات المسلحة لأكثر من ستة أعوام، يبدو أن إيران تهيئ الأرضية لتواجد طويل الأمد في البلد الذي مزقته الحرب، وهو ما دق جرس الإنذار في عدوتها اللدودة، إسرائيل، وجذب انتباه واشنطن.
أنفقت إيران ملايين الدولارات لدعم الاقتصاد في سورية، وهي تشرف على على قوة ميليشيات متعددة الجنسيات لتعزيز جيش الأسد المتداعي، وتقوم بتدريب شبكات المليشيات السورية التي ترتكز على قوة التطوع شبه العسكرية “الباسيج” في إيران.
لكن نجاح إيران وتوسيع نفوذها داخل سورية، التي تعمل كرابط جيوسياسي حيوي وحاسم بين بينها وبين عميلها، حزب الله، في لبنان، جعل من سورية حلبة رئيسية محتملة للصراع إذا أرادت الولايات المتحدة إضعاف موقف إيران الإقليمي، طبقاً لما يقوله محللون.
وفي أحد التداعيات، أشارت إدارة الرئيس ترامب إلى نيتها كبح نفوذ الجمهورية الإسلامية -ليس في سورية وحسب، وإنما في الأماكن الأخرى من المنطقة أيضاً.
تقول السيدة رندة سليم، الباحثة في معهد الشرق الأوسط الذي يتخذ من واشنطن مركزاً له، والخبيرة في شؤون حزب الله: “أفضل إستراتيجية لكبح النفوذ الإيراني هي إضعافها في سورية من خلال حرمانها من الموارد التي استثمرت فيها من خلال نظام الأسد. تحتضن سورية محور إيران-سورية-العراق–حزب الله. وسوف يفضي حرمان إيران من ذلك المكان إلى تقليص نفوذها -ليس فقط في لبنان وإضعاف حزب الله، وإنما في المنطقة ككل”.
وفي موسكو مؤخراً، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن السلام غير ممكن أن يحل في سورية طالما كانت القوات الإيرانية موجودة فيها. وقال بعد اجتماعه مع بوتين: “إن إيران تقوم بتسليح نفسها وتسليح قواتها ضد إسرائيل، بما في ذلك من أراضي سورية، وهي في الحقيقة تكسب موطئ قدم لمتابعة القتال ضد إسرائيل”.
خطط لبناء قاعدة بحرية
تبدو إيران عازمة على عدم التخلي عن سورية. ففي تشرين الثاني (نوفمبر)، قال رئيس أركان الجيوش الإيرانية محمد حسين باقري، إن باستطاعة الجمهورية الإسلامية في المستقبل تأسيس قواعد بحرية في اليمن وفي سورية. وتقوم إيران بتقديم بعض الدعم العسكري لرجال المليشيات الحوثية الذين يقاتلون مع حلفائهم اليمنيين ضد تحالف عسكري تقوده العربية السعودية منذ آذار (مارس) من العام 2015.
وكان نتنياهو قد أثار موضوع القاعدة البحرية الإيرانية خلال اجتماعه مع الرئيس بوتين. وحتى الآن، اتسم رد موسكو المباشر على مخاوف نتنياهو بالغموض لكن العديد من المحللين يشكون في أن روسيا سوف تمارس -أو تستطيع أن تمارس- الضغط على حليفها الإيراني في ميدان المعارك ودفع إيران إلى تغيير أجندتها في سورية.
على الرغم من أن الأسد وحلفاءه الروس والإيرانيين واللبنانيين قد كسبوا اليد العليا في الصراع،
فإن الحرب أبعد ما تكون عن الاقتراب من نهايتها. وعلى ضوء الافتقار المزمن للأيدي العاملة في الجيش السوري، تستمر حاجة الأسد وشركائه إلى بعضهم بعضا حتى يظلوا سائدين، وهي حقيقة تعمل ضد حدوث تفكك لهذا التحالف في الوقت الحالي.
يقول فردريك سي هوف، مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في مجلس الأطلسي في واشنطن: “تجري دراسة إمكانية العمل مع روسيا من أجل تقليل النفوذ الإيراني إلى الحد الأدنى. وليس هناك حتى أي دليل على رغبة موسكو في عمل ذلك، وليس هناك إشارة إلى تتوافر على النفوذ للجم الأسد أو الميليشيات التي تقودها إيران”.
ويضيف السيد هوف: “يقول الروس لأعضاء المعارضة السورية أنهم سئموا من عدم حرفية جيش الأسد ورجال المليشيات الشيعية الذين جلبتهم إيران من لبنان والعراق وأفغانستان. لكن من غير الواضح ما قد تكون موسكو عازمة -وقادرة- على فعله في هذا الصدد”.
ربما تكون المحاولات الدبلوماسية الإسرائيلية لمنع التواجد البحري الإيراني في سورية قد جاءت متأخرة جداً. فقد نشرت صحيفة “نيزافيزيمايا غازيتا” اليومية الروسية مؤخراً أن الرئيس الأسد قد أعطى الضوء الأخضر لبناء قاعدة بحرية إيرانية، والتي ستكون على الساحل بالقرب من جبلة، وقاعدة حميميم الجوية التي يستخدمها حالياً سلاح الجو الروسي.
في حال تأكد هذا التقرير، فإن وجود قاعدة بحرية إيرانية في سورية سيعطي إيران طريقاً بحرياً لشحن الآليات والأسلحة إلى حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى الطريق الجوي عبر مطار دمشق المؤسس منذ وقت طويل. كما سيكون من شأن ذلك خلق احتكاك في مياه البحر الأبيض المتوسط التي تسير فيها البحرية الإسرائيلية والأسطول السادس الأميركي دوريات.
تقوية جبهة الجولان
تعد مرتفعات الجولان، الهضبة البركانية الواقعة في جنوب غرب سورية والتي تطل على شمالي إسرائيل، منطقة الاهتمام الأخرى لإيران في سورية. وكانت القوات الإسرائيلية قد استولت على قسم كبير منها في حرب العام 1967، وما تزال منذ ذلك الحين تحت الاحتلال الإسرائيلي. وكان هناك تواجد لمقاتلي حزب الله وجهاز الحرس الثوري الإيراني في شمالي الجولان منذ وقت متأخر من العام 2013 على الأقل.
ووفق مصادر مقربة من حزب الله، فإن المجموعة اللبنانية أنشأت في العام 2014 بعض البنية التحتية العسكرية في المنطقة إلى الشمال من القنيطرة، بما في ذلك تحصينات ومتاريس ومواقع لإطلاق النار بهدف توسيع الجبهة مع إسرائيل من جنوب لبنان إلى الجولان. وفي كانون الثاني (يناير) من العام 2015، قتل جنرال من الحرس الثوري الإيراني مع ستة عناصر من حزب الله، بمن فيهم ضابطان رفيعان، جراء ضربة من طائرة إسرائيلية من دون طيار بالقرب من القنيطرة. وكان الفريق يتفقد المرافق التي أنشئت حديثاً عندما تعرض للهجوم، كما قالت مصادر مقربة من حزب الله.
هناك ما يتراوح بين 100 و150 مقاتلا من حزب الله ينتشرون في النهاية الشمالية من الهضبة، بالإضافة إلى عدد غير معروف من عناصر جهاز الحرس الثوري الإيراني الذين هناك شكوك بتواجدهم معهم، كما تقول مصادر أمنية غربية على معرفة بالديناميات في الجولان. وتخوض هذه القوات وقوات حكومية أخرى راهناً مواجهة مع الثوار المناهضين للأسد في المنطقة. ومع ذلك، يفاوض نظام الأسد على سلسلة من الاتفاقيات لوقف إطلاق النار مع مجتمعات في شمالي الجولان، والتي يسمح بموجبها للثوار بالانتقال إلى محافظة إدلب في الشمال في مقابل استعادة سيطرة الدولة على القرى التي يتم إخلاؤها.
إذا استمر نجاح العملية، ربما يتم تحييد منطقة شمال الجولان من النزاع السوري، وهو ما قد يمكِّن إيران وحزب الله من استعادة خططهما الأصلية للمنطقة. وفي إشارة محتملة إلى نوايا إيران المستقبلية، أعلنت حركة حزب الله النجباء العراقية الشيعية المدعومة من إيران مؤخراً أنها ماضية في تأسيس وحدة جديدة تدعى “جبهة تحرير الجولان”.
وقال قائد المجموعة، سيد هاشم موسوي، في مؤتمر صحفي للإعلان عن المجموعة الجديدة: “هذا جيش مدرّب وله خطط محددة. إذا طلبت الحكومة السورية ذلك، فإننا وحلفاءنا مستعدون للعمل من أجل تحرير الجولان”.
منذ الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل في العام 2006، ظلت الحدود بين لبنان وإسرائيل هادئة في أغلب الأحيان، وإنما مع توجس الجانبين من قدح زناد صراع آخر أكثر كارثية. ويقول غيورا إيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق والجنرال المتقاعد، إنه على العكس من لبنان، حيث تستطيع إسرائيل تحميل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن نشاطات حزب الله من أراضيها، فإن للحكومة السورية سيطرة محدودة على أراضيها.
نيكولاس بلانفورد
صحيفة الغد