الرياض – قالت مراجع مطّلعة في العاصمة السعودية إن مجريات حرب اليمن دفعت المسؤولين السعوديين إلى إجراء تعديل على استراتيجيتهم في مشتريات الأسلحة يقوم في واجهة أولى على تنويع الشركاء بدل الاقتصار على الجهات التقليدية.
ويعتمد في الواجهة الثانية على تركيز خطط للتصنيع الذاتي للأسلحة، وهو ما سيتيح لهم التحرر من الضغوط والاشتراطات التي أربكت مسار الحرب.
وأشارت المصادر إلى أن السعودية ماضية في خيار الاعتماد على الذات لتوفير الأسلحة غير الثقيلة، وأن التصنيع العسكري ينظر إليه في الرياض على أنه جزء ضروري من الإصلاح الشامل الذي عكسته رؤية 2030 التي أعلن عنها وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر من العام الماضي.
واصطدمت الرياض في السنتين الأخيرتين بسلسلة من الاشتراطات للحصول على العتاد اللازم لإدارة الحرب في اليمن تحت دعاوى حقوق الإنسان، وخاصة في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
وتستبعد هذه المراجع أن تتراجع السعودية عن خيارها في تنويع الشركاء والانفتاح على الأسواق الروسية والصينية وغيرهما مع صعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومساعيه لإصلاح مخلفات سياسة سلفه أوباما، وأنها ستكون حريصة على أن تجعل خياراتها مفتوحة لمنع العودة إلى مربع الصفقات المشروطة.
والصناعة العسكرية خيار مزدوج لأنها لا تحتاج إلى تنويع التسليح تماما، بل تصنيع أسلحة مشابهة لتلك الغربية، فضلا عن أنها تفتح المجال لمشاريع مشتركة مع مصنعين شرقيين وغربيين على السواء.
وأعلن وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أن بلاده تستهدف إنشاء شبكة محلية لتصنيع السلاح وتوفير ما قدره 60 إلى 80 مليار دولار مما تنفقه المملكة على شراء الأسلحة من الخارج.
ولم يحدّد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست الأميركية الجمعة الفترة الزمنية التي ستمكّن المملكة من توفير قيمة وارداتها من الأسلحة.
وأضاف وليّ وليّ العهد السعودي، الذي يشغل أيضاً منصب وزير الدفاع، أن المملكة تخطط لإنتاج السيارات محلياً كي تحل محل ما تنفقه الحكومة سنوياً على واردات قيمتها تقريباً 14 مليار دولار.
وكان تقرير أجرته منظمة “أي إتش إس” للمراقبة والتحليل الاقتصادي العام الماضي أظهر أن واردات المملكة العربية السعودية من الأسلحة دفعت مبيعات الأسلحة العالمية للزيادة حوالي 10 بالمئة خلال العام الماضي.
ولفت التقرير إلى أن واردات السعودية من الأسلحة قفزت بنسبة 50 بالمئة لتصل إلى 9.3 مليار دولار في 2016، وهو النمو الذي يعتبر الأكبر في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا.
ويرى محللون سياسيون أن إنتاج الأسلحة والذخائر الضرورية للحرب من شأنه أن يخفف على السعودية ضغوط المنظمات الحقوقية التي يتم تسليطها عليها لتحقيق مكاسب لجهات تتخفى وراءها تحت ذريعة الدفاع عن حقوق الإنسان.
وقفزت التقارير ذات الصبغة الإنسانية إلى الواجهة في الفترة الأخيرة لتتبّع عمليات التحالف العربي، لكنها تغفل تجاوزات المتمردين خاصة حصار مدينة تعز والمعاناة الإنسانية الكبرى لسكانها طيلة أشهر.
واختفت هذه التقارير منذ 21 سبتمبر 2014 تاريخ سيطرة الحوثيين على صنعاء، ولم تعلّق إلا بشكل عابر أحيانا على تصفية الخصوم السياسيين ومصادرة ممتلكاتهم وتفجير دور العبادة واستهداف المواقع المدنية بدوافع طائفية والحملة المناهضة للصحافيين والمثقفين الذين عارضوا الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح.
واعتبر المحللون أن خيار التسليح الذاتي لا يعكس رغبة في إخلال السعودية بالتزاماتها تجاه الشركاء التقليديين ولكنه امتداد لفلسفة الإصلاح التي تنوي الرياض أن توسع دائرتها لتشمل كل القطاعات، وأن جوهرها تدعيم الرهان على الذات وعدم الاتكاء على العلاقات التقليدية التي تأسّست في حقب الرهان على النفط، وأنها مدعوّة للتحسب لمرحلة تراجع عائداته وتأثيره الاستراتيجي.
ولم يقف خيار تنويع الشركاء عند حدود التصريحات، فقد قطعت السعودية خطوات هامة لإقناع مختلف شركائها أنها جادة في هذا التمشّي على قاعدة المصالح المتبادلة، وخاصة الدفاع عن الأمن القومي للمملكة والاقتراب من رؤيتها للملفات الإقليمية وتطويق خصمها إيران.
وقال الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع “الواشنطن بوست” إن هدف السعودية الرئيسي هو “إقناع روسيا ألا تضع جميع أوراقها خلف إيران في المنطقة”، مضيفا أن “المملكة تعدّ رهانا أفضل من طهران في المنطقة”.
وأوضح وليّ وليّ العهد السعودي أنه ومن أجل إقناع روسيا بذلك “قمنا مؤخراً بتنسيق سياساتنا النفطية مع موسكو، وهذه قد تكون أهم صفقة لروسيا في العصر الحديث”.
وبخصوص الولايات المتحدة قال الأمير محمد بن سلمان إنه “متفائل جدا” بالرئيس ترامب “الذي سيعيد الولايات المتحدة إلى مسارها الصحيح” بعد سلفه باراك أوباما “الذي لا يثق به” المسؤولون السعوديون.
وأكد وليّ وليّ العهد السعودي أن ترامب “استعاد جميع تحالفات الولايات المتحدة مع حلفائها التقليديين”.
العرب اللندنية