نفذ بجلده الرئيس روحاني المرشح للانتخابات الرئاسية في الدورة الثانية عشرة لعام 2017، الرئيس الملقب في الشارع الايراني «بالرئيس المحتال!» هرب مختفيًا من غضب وقبضات عمّال المناجم، الذين كتموا غيظهم لأيام بسبب فاجعة كارثة عمال منجم «يورت» آزاد شهر للفحم الحجري، والواقع في شمال محافظة غولستان شمال ايران، تلك المحافظة البائسة باقلية عرقية تركمانية، والتي كانت تعرف باسم مغاير هو صحراء تركمان، إلا ان ضمن سياسة التفريس والتغيير تم تسميتها بغولستان وهي تسمية نقيض لحقيقتها الصحراوية الجافة ودجال من اختار تلك التسمية، حيث لا تنسى ذاكرة الشعوب الايرانية مجزرة التركمان في عهد الخميني برفضهم لحكم الملالي، عمال منجم يورت كتموا حزنهم ومعاناتهم لشهور طويلة بل ولسنوات عمر المناجم فيها، حيث حكومة روحاني في طهران لم تستجب لمظالمهم ولا لتظلماتهم، فشركة التعدين تقع ضمن صلاحيات وهيمنة قوات البسيج القمعية والتابعة لقوات الحرس، معروفة بأنها المالك الحقيقي للمنجم، ولكنها «اللجان الثورية الفاسدة!» التزمت الصمت بهدف التستر على دورها المخزي حيال الطبقة العاملة.
ويحاول المسؤولون في حكومة روحاني ازاء هذه الكارثة ستر عورتهم لفضائح الظروف الصعبة للمنجم وظروف عمّاله، بدءًا من ربيعي وزير العمل ونعمة زاده وزير الصناعة وانتهاءً بالرئيس المحتال، بالتواري عن الكارثة وأبعادها الحقيقية.
كان وضع الرئيس روحاني المحبط في محيط المنجم وهو محاصر بهتافات العمال وغضبهم وقبضاتهم وخوذاتهم الملونة، تصويت مبكر على اختياره وسط الشعوب الايرانية خاصة الطبقة العاملة الايرانية، التي تتكشف لها يومًا بعد يوم الادعاءات الكاذبة لجمهورية «المستضعفين» التي برهنت دون لبس عن انها جمهورية المفسدون في الارض، وبأن شعارات الكذب والاحتيال والتدجيل على الناس ومعاناتهم لن تزول بين ليلة وضحاها مع عصى الترهيب التسلطي من القوى الاكثر تشددًا وظلامية في النظام، حيث يتصارع حيتان النظام في هذه الحملة الانتخابية من اجل تقاسم الثروة والسلطة في قم وطهران. هرب الرئيس من موقع المنجم المنهار، ولولا تماسك وحكمة السلوك العمالي المتجنب للعنف لكانت النتائج اكثر وخيمة ومؤلمة للطرفين.
لم يستطع الرئيس ان يصمّ إذنيه من خلف زجاج سيارته السوداء، ولم يستطع الهروب من لحظة مشهد الغضب الاحتجاجي والهتافات المدوية. كانت تلاحقه ركلات وقبضات عمال المنجم وهي فوق سقف سيارته، ففي ذمة الرئيس ومسؤوليته روح اكثر من 43 عاملاً تركوا خلفهم نساء ارامل واطفال يتامى وعائلات.
لم يستطع بعض العمال الذين كانت خسارتهم العائلية مباشرة من لجم غضبهم حين قال أحدهم للرئيس: «اريد شقيقي!» فتحت تلك الانقاض العميقة في المنجم كانت تفوح الرائحة وتخرّج الى سطح الارض ومرت ايام ولم نستطع اخراجهم. العمال التركمانيين وغيرهم في المنجم يعيشون نظام السخرة وظروف عمل قاسية، إذ لا يوجد جهاز تهوية في المنجم حتى عمق 1700 متر الى جانب مماطلة الشركة في دفع رواتب العمال المتأخرة لشهور عدة، ونتيجة ظروف العبودية الحديثة تلك، كثيرًا ما احتج عمال المناجم مرارًا، ففي مارس عام 2016 هددت السلطات التجمعات الاحتجاجية بالفصل والاعتقال بعد تفريقهم بالقوة هم وعائلاتهم لمجرد انهم طالبوا بدفع رواتبهم المتأخرة.
أحد العمال كان يحتج بصوت عالٍ يا رئيس الجمهورية لم تنتبه لمظالمنا وحقوقنا، لم تسدد اجورنا ولا رواتبنا التقاعدية.
في تلك الشركات تمارس الادارات الفاسدة اصناف من الاستغلال البشع، حيث يستبدل مهنة عامل المنجم بمهنة الحلاق بهدف دفع فواتير اقل لشركات التأمين، هذا التلاعب على حقوق عمال المناجم كان ارحم في زمن الشاه، حيث يعمل عمال المناجم لمدة 15 عامًا ثم يتقاعدون تحت بند اعمال شاقة، فيما في زمن «ثورة المستضعفين» يتم تدمير عمال المناجم جسديًا وروحيًا باستغلال قوة عملهم لمدة 25 سنة من الاعمال الشاقة.
كل تلك العبودية المأجورة كما سماها ماركس تتقاضي اجرًا شهريا يتراوح ما بين 200 و250 دولارًا أمريكيًا، وعند التقاعد يخرج بفتات خمسة آلاف دولار لا غير هي كل مستحقات العمل التقاعدي والتأمين.
لم يتمالك عامل المنجم وهو يبكي صارخًا: «دعوني اتكلم فإن قلبي مجروح فهذا الرئيس بعد انتخابه لن يعود لزيارتنا.. دعوني اقول كل ما في قلبي!».
نفذ الرئيس بجلده وليته لم يذهب الى هناك بعد خمسة ايام من الكارثة، فقد سمع فيه ما لا يسره من العمال الغاضبين الذين كان تصويتهم حوله تعبير مبكر عن مهزلة الانتخابات التي تدعو المعارضة بكل أعراقها وأنواعها الى مقاطعتها فمن الصعب ان يختار الشعب بين مرشح ملقب بالمحتال هو الرئيس روحاني ومرشح ملقّب بالجلاد هو المجرم رئيسي والمطلوب محاكمته لدوره البشع في مجزرة عام 1988.. فرائحة الدم والمشانق مازالت عالقة في ذاكرة الشعوب الايرانية.
يا رئيس الجمهورية – قالها احد العمال – هل تعلم ما معنى ان تكون عاملَ منجم؟ هكذا حمل الرئيس الهارب معه ما معنى الغضب المدوي كالشلال لعمال المناجم ذلك البركان الصامت.
بدر عبدالملك
صحيفة الايام