كل الأشياء الموجودة في عراق ما بعد عام 2003م وحتى يومنا هذا خدم بشكل مباشر إيران، فسياسيًّا أضحت الأخيرة مسيطرة تمامًا على النظام السياسي العراقي بشقيه الحكومي وغير الحكومي، واقتصاديّّا قدم الاقتصاد العراقي خدمات جليلة لإيران إذ ساهم بشكل كبير في تخفيف من وطأة العقوبات الاقتصادية الدولية التي كانت مفروضة علىها على خلفية برنامجها النووي. وأمنيًّا أصبح لإيران فصائل مسلحة عراقية لها ثقل في الشارع وتأتمر بأوامرها. أما عسكريّّا، كان العراق عبارة عن ممر إيراني لتقديم الدعم العسكري لبشار الأسد لقمع الانتفاضة الشعبية التي اندلعت ضد حكمه في آذار/مارس عام 2011م. وعسكريّا أيضًا مكّن ظهور تنظيم داعش الإرهابي في المشهد العراقي بحزيران/يونيو عام 2014م، في تحقيق الاسترايجية الإيرانية أولًا في هدم المدن السنية العراقية كالموصل، ثانيا ايجاد ممر بري يصل طهران بحلفائها في سوريا ولبنان ثالثا الوصول إلى شواطىء البحر المتوسط.
ولا تتوقف الخدمات العسكرية العراقية لإيران عند هذا المستوى بل أكثر من ذلك، فبحسب المعلومات التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية والتي تفيد بأن تواطىء ما قد حصل داخل وزارة الدفاع العراقية قبل عدة شهور من خلال قيام إحدى الفصائل العراقية المسلحة بإرسال دبابة “إبرامز” الأمريكية المتطورة دفاعيًّة وهجوميَّا إلى إيران. تشتهر الدبابات الأمريكية بجودتها وبقدرتها القتالية العالية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا هذا. ولعل أبرز هذه الدبابات واشهرها في عصرنا، الأبرامز التي استخدمت في حرب الخليج الثانية، حرب أفغانستان، حرب العراق 2003 والتدخل العسكري في اليمن.
وتعتبر أبرامز من أقوى الدبابات في العالم وهي خليفة الـ أم 60 وهي دبابة قتال رئيسية في الحروب مزودة بمدفع من عيار 120 ملم وبرشاشين من عيار 7.62 ملم. وتعتمد الأبرامز التي تزن حوالي 63 طن على محرك توربيني من نوع تكسترن ليكومنج أي جي تي يولد قوة 1500 حصان يخولها الوصول إلى سرعة 67.6 كلم في الساعة.تتكون الدبابة من طاقم يصل عدده إلى 4 وهي تتمتع بدروع ملحومة وبجهاز وقاية من أسلحة التدمير الشامل إضافة إلى أجهزة لكشف الإشعاع الذري والغازات الحربية ونظام رؤية ليلي متطور. ولمزيد من الحماية زودت الأبرامز أيضاً بقاذفين على جانبي البرج وبتجهيزات لإنتاج دخان للتخفي.
مما لاشك فيه هذا التواطىء العسكري في العراق قدم خدمة عسكرية لإيران فبوسعها الآن معرفة مواطن الضعف والقوة في دبابة “إبرامز” ومن ثم العمل على إعادة انتاج دبابة بمواصفاتها تماما بما يسمى بالهندسة العكسية. وإذا تمكنت إيران من صنعها فبإمكانها بعد ذلك أن تبيع أسلحتها القديمة للحكومة العراقية، فقد أصبح العراق بعد عام 2003م مستوردًا مخلصًّا لكل السلع الإيرانية الرديئة.
أما الإدارة الأمريكية فهي مستاءة جدًا من هذا التوطىء إذ شعرت بأن هناك إهانة عسكرية وجهت إليها، لذلك فهي تمارس ضغوط كبيرة على الحكومة العراقية من أجل استرجاع دبابة”إبرامز”، كما أن هذا التواطىء وضع الحكومة العراقية في موقف محرج جدا مع الإدارة الأمريكية والتحالف الدولي، فهي في ذات الوقت ليس بوسعها أن تحافظ على مخزونها العسكري؟ فكيف يمكن في المستقبل أن يثق هولاء بالحكومة العراقية ويعملوا على تزويدها بالمعدات العسكرية المتطورة خاصة إذا علمنا أن عراق اليوم يعاني عسكريًّا من شح الأسلحة المتطورة الذي يعرض أمنه للخطر؟
هذا التواطىء ليس الأول من نوعه خاصة علمنا بأن حطام طائرة مسيرة أمريكية وعشرات “الهمرات” الأمريكية ومختلف الأسلحة الأمريكية وصلت إلى إيران وإذا علمنا أيضًا بأن أسلحة جميع الأسلحة الأمريكية وأسلحة التحالف الدولي تُباع في أسواق العراق وجزء من هذه الأسلحة تذهب إلى تنظيم داعش الإرهابي.
إن التخلص من داعش أمر في غاية الأهمية لتعافي العراق من أوجاعه ولكن هذا لا يكفي فحتى يتعافى بشكل كامل لابد أن يتحرر العراق دولة ومجتمعًا من خاطفيه في طهران، وإلا سيبقى العراق سقيمًا.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية