بلغت العلاقة بين إيران وتركيا أدنى مستوياتها بين العامين 2014 و2016. وقد سبقت بينهما اختلافات بسبب الموقف من بشار الأسد. فمنذ بداية الثورة في سوريا، توجَّه الحليفان: قطر وتركيا (وكانا صديقين للأسد منذ 2004) إلى الرئيس السوري بضرورة الإصلاح. بينما وقفت إيران مع الأسد منذ البداية، وكذلك روسيا، بعد تجربتها السلبية مع الغربيين في ليبيا. وبين العامين 2012 و2013 تدخل الإيرانيون في سوريا عسكرياً بواسطة «حزب الله»، وما عاد الأمر مقتصراً على الخبراء، والمساعدة في غرفة العمليات، بينما ذهب الأتراك والقطريون باتجاه دعم «الإخوان» في مصر وسوريا، وبدأوا بتسليح التجمعات بجوار دمشق وشمال البلاد.
إنّ هذا الاختلاف في تقدير المصالح وصل ذروته عندما ظهر كلٌّ من «داعش» و«النصرة»، بينما أقبل الإيرانيون على دعم الأكراد في سوريا، والذين أقبلت وشنطن على دعمهم أيضاً. وما حرَّكت الولايات المتحدة ساكناً عندما استقر «حزب العمال» الكردستاني في منطقة سنجار، ودخلت قواتٌ تركيةٌ إلى جوار الموصل، وتحججت بالكردستاني، وأنها لا تسمح بدخول ميليشيات «الحشد الشعبي» إلى تلعفر، لوجود أقلية تركمانية فيها.
صحيح أنّ العلاقات التجارية لم تتأثر. لكن الزيارات المتبادلة بين المسؤولين من الدولتين إلى كلٍ من أنقرة وطهران، خلال 2014 و2015 كانت حافلةً بالغضب وسوء الظن. ثم تغير المشهد كلياً بتطورات التدخل الروسي في سوريا (2014) أيضاً، إذ اضطرت تركيا، بعد إسقاط الطائرة الروسية، إلى مهادنة الروس، مدفوعةً ليس فقط بالغضب الروسي، بل وبتردي العلاقات مع الولايات المتحدة. والتقارب مع الروس في شمال سوريا، والسماح للأتراك بتحدي الأكراد و«داعش» على الحدود التركية السورية، خفّف من الصدام الإيراني التركي. فقد تدخلت موسكو وسيطاً بين الطرفين، ودفعت كلاً منهما للاعتراف بمصالح الطرف الآخر في سوريا والعراق. ثم أخذتهما معها إلى مفاوضات أستانا من جهة، كما أجريا محادثات ثُنائية بشأن التعاوُن ضد الإرهاب، وبشأن مخاوفهما من الدعم الأميركي للأكراد في سوريا والعراق.
أما بدء التعاوُن العملي فقد ظهر في الحرب على حلب. فالأتراك الذين اعتبروا حلب منطقة نفوذ لهم، ما لبثوا أن اضطروا لمفاوضة الروس على سحب المسلحين من المدينة وجوارها بعد أن تخرب معظم القسم القديم منها. وصار الإيرانيون إلى جانب الروس موجودين في الشمال السوري على حدود المناطق الكردية والتركية. وعندما كانوا يتفاوضون على حدود النفوذ في الشمال والشرق السوري، تبين للأتراك أن الإيرانيين صارت لهم علاقات بـ«داعش» و«النصرة» معاً، تفوق أحياناً علاقات تركيا بالتنظيمين. تدعم تركيا عدة تنظيمات مسلحة في الشمال السوري، وهي مهتمة بالأوضاع على حدودها هناك، أما الإيرانيون فمهتمون بالمناطق السورية الحدودية مع العراق. وقد خشي الروس والإيرانيون معاً أن تكون عملية الاستيلاء على إدلب وقراها (و«النصرة» هي المسيطر فيها) في هَول حرب حلب. لذلك، وبعد ظهور فكرة مناطق خفض التصعيد، استحثّ الروس والإيرانيون تركيا على دفع «النصرة» للخروج منها بدلاً من الحرب. وعندما لم يفلح ذلك، سلّم الروس والإيرانيون الزمام للأتراك الذين أعلنوا مؤخراً أنهم مع عشرين ألف مسلَّح عربي سوري سيقتحمون إدلب إن اضطرهم الأمر لذلك. بينما ذهب الإيرانيون لدعم قوات النظام لاقتحام دير الزور القريبة من حدود العراق، بمساعدة الطيران الروسي، مع استمرار قصف الأميركيين لدير الزور إلى جانب الرقة. ولأن قصة إدلب ودخول الأتراك إليها، قد جرت من دون تشاوُرٍ مع التحالف الدولي، فإن الأميركيين قاموا بخطوتين لإزعاج الحلفاء الثلاثة، شركاء «أستانا».
معنى هذا أنّ كلاً من إيران وتركيا استخدمت الإرهاب أو أعادت توجيه فصائله. وكما أخرج الإيرانيون «داعش» و«النصرة» طوعاً من جرود لبنان، فإنّ الأتراك قد يُخرجون «النصرة» طوعاً كذلك من إدلب. وقد عادت الشراكة بين الطرفين لمنْع الأكراد من الاستقلال في العراق وسوريا، وفي أن تكون لكلٍ منهما منطقة نفوذ، ولإيران على حدود العراق، ولتركيا على حدودها!
رضوان السيد
صحيفة الاتحاد