دخلت أزمة الاستفتاء، الذي يعتزم أكراد العراق إجراءه لتقرير مصيرهم، مرحلة التوقعات المتناقضة التي تبدأ من إمكانية التراجع عن هذه الخطوة برمتها، ولا تنتهي بتفجير اقتتال داخلي في مدينة كركوك الغنية بالنفط، ويسكنها خليط من الأعراق والقوميات.
وحتى الآن، فشلت جميع الوساطات الداخلية والخارجية في إقناع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني بالتراجع عن إجراء استفتاء تقرير المصير المقرر في الـ25 من الشهر الجاري.
وبينما تعبّر التصريحات التركية والإيرانية عن تهديدات صريحة ضد فكرة الاستفتاء ووصفه بأنه يمسّ الأمن القومي للبلدين عرضت السعودية وساطتها بين بغداد وأربيل.
وذكرت رئاسة إقليم كردستان العراق أن السعودية أبدت استعدادا للتوسط وتهيئة الأجواء لإجراء حوار بين بغداد وأربيل.
والتقى وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان برئيس الإقليم مسعود البارزاني. وعبّر السبهان عن “استعداد بلاده للتوسط وتهيئة أجواء المباحثات لمعالجة المشاكل بين الإقليم وبغداد”.
من جانبه لفت البارزاني إلى أن “الإقليم لم يغلق أبواب الحوار والتفاوض لحل المشاكل بين أربيل وبغداد”.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه سيلتقي برئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال زيارة للولايات المتحدة الأسبوع الجاري وسيبحث معه الاستفتاء المزمع على استقلال إقليم كردستان العراق.
ولم تكن تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي بريت ماكغورك بشأن إجرائه مباحثات إيجابية مع القيادة السياسية الكردية كافية لتهدئة الأوضاع، إذ مضى البارزاني بعد هذه التصريحات نحو تأكيده أن الاستفتاء سيجرى في موعده، مشيرا إلى استعداده للمضيّ حتى النهاية في هذا المشروع أيّا كان نوع التحذيرات التي يتلقاها.
وكان سفراء دول كبرى، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا، فضلا عن الأمم المتحدة، عقدوا سلسلة اجتماعات مع البارزاني وعرضوا عليه تأجيل الاستفتاء لمدة عامين، مقابل تسوية القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، لكنّ الزعيم الكردي يرى أن هذا الالتزام لا يكفي.
وذكرت مصادر سياسية في أربيل، عاصمة الإقليم الكردي، أن “البارزاني طلب من ممثلي الدول الكبرى تعهدا معلنا بإجراء الاستفتاء في وقت محدد، إذا تقرر تأجيله الآن”.
وأضافت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن “البارزاني لم يعترض على تأجيل الاستفتاء عامين، لكنه اشترط أن تلتزم الولايات المتحدة علنا بالموعد الجديد، وهو ما رفضته الإدارة الأميركية”.
وأوضحت أن “البيت الأبيض لا يدعم فكرة التأجيل المؤقت، بل يريد إلغاء تاما للاستفتاء، فضلا عن أن الولايات المتحدة لا تريد تجزئة المشكلة العراقية إلى عربية وكردية، بل تريد التعامل معها بوصفها مشكلة واحدة”.
وأكدت المصادر أن “البيت الأبيض شكّل، خلال اليومين الماضيين فريق عمل خاصا لمتابعة هذا الملف، ومن المحتمل أن يتوجه جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه، إلى أربيل قريبا، بعدما تستضيف واشنطن وفدا كرديا في غضون أيام”.
وربطت المصادر زيارة السبهان إلى كردستان العراق، بتنسيق أميركي لجهود الوساطة تشترك فيها السعودية وتركيا لإقناع البارزاني بالتراجع عن الاستفتاء.
وتوقّعت أن تعرض دول الوساطة على البارزاني حزمة مغريات سياسية واقتصادية لقاء إلغاء الاستفتاء أو إعلان تأجيله حتى إشعار غير معلوم.
ويحاول الوسطاء أن يحوّلوا موقف البارزاني من الإصرار على التزام المجتمع الدولي بأيّ موعد جديد للاستفتاء إلى التزام المجتمع الدولي بمتابعة حقوق إقليم كردستان لدى بغداد.
ويقول مراقبون في بغداد إن التعويل على جهود الوساطة الدولية يأتي بسبب انسداد آفاق جميع خطوط التواصل الداخلية.
وذكرت مصادر دينية في النجف أن “المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني رفض الاستجابة لمقترحات تقدمت بها شخصيات عراقية للتواصل مع البارزاني وحثّه على إلغاء الاستفتاء”، موضحة أن “السيستاني يخشى التورط في التزامات سياسية مع أيّ طرف من أطراف النزاع في العراق”.
وأضافت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن “زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر هو الآخر اختار تجنب الانخراط في السجال الذي يدور بشأن النوايا الانفصالية الكردية حاليا، وتتفاعل معه الأوساط الشعبية بشدة”.
وتقول هذه المصادر إن “الحيرة تسيطر على معظم مراكز التأثير السياسي والديني في العراق إزاء خطوة الاستفتاء الكردي التي يبدو أن البارزاني متمسّك بها بشدة”.
وتخشى أوساط سياسية في بغداد تطور رد الفعل الشعبي في الجزء العربي من العراق الرافض للاستفتاء الكردي إلى “محركات تدفع نحو صدام مسلح بين العرب والأكراد والتركمان في مدينة كركوك”.
وعبرت تصريحات لنائب الرئيس العراقي نوري المالكي عن الابتزاز السياسي، محذرا من “قيام اسرائيل ثانية” في شمال العراق.
وذكر تقرير لمجلة الإيكونوميست أنه لا يوجد شخص واحد التقاه كاتب التقرير في السليمانية لديه استعداد للمشاركة في الاستفتاء. مؤكدا أن الوضع في كركوك يغلي وأن انفجاره هناك لن ينحصر في المدينة نفسها بل ستصل أصداؤه إلى سنجار على الطرف البعيد من شمال العراق.
وعززت القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي، التي تضم مقاتلين من القومية التركمانية في كركوك، منتصف الأسبوع الماضي وجودها العددي في كركوك تحت غطاء الاستعداد لمعركة الحويجة آخر معاقل داعش في شمال العراق، في مقابل انتقال الآلاف من المقاتلين من عناصر البيشمركة الكردية من مناطق انتشارهم السابقة على حدود أربيل إلى داخل مركز مدينة كركوك.
ويقول مراقبون إن “اندلاع أيّ نزاع مسلّح في كركوك، سيدفع الجارتين تركيا وإيران إلى تدخل عسكري سريع في شمال العراق”.
صحيفة العرب اللندنية