أربيل – دخلت السعودية على خط الأزمة بين العراق وإقليم كردستان وعرضت الوساطة على الطرفين بخصوص قضية الاستفتاء، مستفيدة من انفتاحها على الحكومة العراقية في الأشهر الأخيرة، في خطوة تعكس دورا متناميا للدبلوماسية السعودية على المستوى الإقليمي، وربما تمثل حلا عجز المحيط الإقليمي عن توفير شروطه.
وأعلنت رئاسة إقليم كردستان العراق، الأحد، أن السعودية أبدت استعدادا للتوسط وتهيئة الأجواء لإجراء حوار بين بغداد وأربيل. وجاء ذلك في بيان عقب لقاء وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، برئيس الإقليم مسعود البارزاني. وبحسب البيان، فإن السبهان، عبّر عن “استعداد بلاده للتوسط وتهيئة أجواء المباحثات لمعالجة المشاكل بين الإقليم وبغداد”.
ورأى مراقبون عراقيون أن التحرك الدبلوماسي السعودي يعكس جانبا من جوانب السياسة السعودية العليا التي بدأت الرياض ممارستها في العراق منذ زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى بغداد في فبراير الماضي.
ولفت هؤلاء إلى أن الرياض تسعى لملء فراغ إقليمي كبير لسحب فتيل الأزمة المشتعلة مع إقليم كردستان، مقارنة بمواقف طهران وأنقرة وحتى بغداد التي تتسابق على التلويح بالحل العسكري لإجبار رئيس الإقليم مسعود البارزاني على إلغاء الاستفتاء المقرر الاثنين القادم.
وقال مكتب رئيس الوزراء العراقي، الاثنين، إن حيدر العبادي طلب رسميا تعليق خطط إجراء استفتاء على استقلال إقليم كردستان وأن المحكمة الاتحادية العليا وافقت على طلب العبادي “بشأن عدم دستورية إجراء انفصال أي إقليم أو محافظة عن العراق”.
وبإمكان الرياض التعويل على علاقاتها الممتازة مع أربيل، فضلا عن علاقتها المتطورة مع رئيس الوزراء حيدر العبادي. وقد ذكرت رئاسة الإقليم في البيان أن البارزاني أكد للوزير السعودي على “استمرار وتطوير علاقات الصداقة العريقة بين السعودية والإقليم”.
واعتبرت مراجع خليجية مراقبة أن التحرك السعودي لا يهدف فقط إلى توفير جسور دولية إقليمية للعبور إلى التسوية المثلى بعد فشل كافة الضغوط على البارزاني لإثنائه عن خوض الاستفتاء، لكنه يسعى أيضا إلى توفير شبكة تواصل يلتف حولها الفرقاء العراقيون، لا سيما في وقت تتفاقم فيه الانقسامات داخل الطبقة السياسية العراقية حول كيفية مقاربة الأزمة مع الأكراد.
وكان البارزاني لفت في استقباله للسبهان أن “الإقليم لم يغلق أبواب الحوار والتفاوض لحل المشاكل بين أربيل وبغداد”.
وداخل سلة المواقف الدولية الداعية إلى إلغاء الاستفتاء ومباشرة الحوار بين أربيل وبغداد، برز الاثنين تحرك بريطاني عبر إرسال وزير الدفاع مايكل فالون إلى أربيل، وموقف فرنسي عبر عنه وزير الخارجية جان إيف لودريان الذي رأى أن الاستفتاء “مبادرة غير مناسبة”.
ونقل عن دبلوماسيين غربيين في تركيا أن أنقرة مضطرة لتبني لهجة حادة توحي بالتهويل العسكري لما لهذه المسألة من خطر على الأمن الاستراتيجي التقليدي لتركيا، لكنها تحتاج إلى خارطة طريق إقليمية قد توفرها الرياض لتنفيس الاحتقان الحالي مع إقليم كردستان.
وتضيف هذه المصادر أن تركيا تتأمل باهتمام ترحيب إقليم كردستان بالمبادرة السعودية وتعتبرها مادة مثيرة للاهتمام كونها تشكل بديلا سيكون مقبولا من كافة فرقاء الصراع الراهن.
وترى مصادر سياسية عراقية أنه رغم السجال المعلن والمضمر داخل العراق حول مقاربة التحولات الجديدة في العلاقات السعودية العراقية، إلا أن للمبادرة السعودية حظوظا كبرى في أن تكون مصدر إجماع عام.
ولفتت المصادر إلى أن السعودية تقارب الأمر دون حسابات ذاتية وتتقدم لتحري نقطة توازن تذهب باتجاه الهواجس التي عبرت عنها طهران وأنقرة وبغداد والجامعة العربية وعواصم العالم الكبرى، كما تذهب باتجاه مراعاة الهواجس والطموحات والمطالب الكردية في الوقت عينه.
وتذهب بعض المصادر العراقية إلى التسليم بأن المبادرة السعودية إذا ما فعّلت ستنصاع لها إيران التي لا تحمل بدائل أخرى غير التهديد بالتدخل العسكري.
واعتبرت هذه المصادر أن هذه القضية الشائكة تتيح للرياض المناورة داخل فضاء دبلوماسي رحب بعد أن غادرته كافة الأطراف المعنية باتجاه لغة خشبية عسكرية لن تجبر البارزاني على التخلي عما روّج له كثيرا خلال الأشهر الأخيرة.
ونقل عن مصادر مطلعة من الرياض أن السعودية لم تفصح عن تفاصيل مبادرتها وأن انعقاد قمة الأمم المتحدة في نيويورك هي مناسبة مواتية لعرض المبادرة والسعي لتسويقها تحت مظلة دولية شاملة.
وأكدت هذه المصادر أن الرياض لا تسعى من خلال تحركها إلى الاستعراض المجاني، وهي تنتهج في هذا المضمار مسارا حذرا بغية إنجاح مساعيها والخروج بصفقة مناسبة تجنب المنطقة صراعات جديدة متعددة الأطراف.
العرب اللندنية