بغداد – كشفت مصادر سياسية في العاصمة العراقية بغداد أنّ اتفاقا على وشك الاكتمال بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان على تأجيل الاستفتاء المزمع إجراؤه حول استقلال الإقليم لمدّة عامين على الأقل.
وقالت المصادر في تصريح لـ”العرب” إن الكشف عن تفاصيل الاتفاق الذي جرت إلى حدود مساء الأربعاء، مناقشته بالعناوين العريضة، لن يتأخر كثيرا نظرا لضيق الوقت وتصاعد محاذير التصعيد حول الملف بفعل تدخلات طهران وأنقرة المهتمتين فقط بقطع مسار استقلال الأكراد بأي وسيلة ومهما كانت النتائج والتبعات التي سيتحمّلها العراقيون أولا.
وامتنعت ذات المصادر عن الكشف عن الطرف الذي وقف خلف الاتفاق، مكتفية بتأكيد وجود جهود “عربية” بذلت خلال الأيام الماضية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء العراقيين بشأن الاستفتاء.
وقال نائب بالبرلمان العراقي طلب عدم ذكر اسمه إنّ الحديث يدور بكثافة حول دور سعودي في نزع فتيل الأزمة بين أربيل وبغداد.
وفي أولى بوادر حلّ الأزمة، اتفق كل من الرئيس العراقي فؤاد معصوم، ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، الأربعاء، على إرسال وفد رفيع المستوى من الإقليم إلى بغداد، خلال اليومين المقبلين، للتباحث بشأن الملفات الخلافية بين الجانبين.
وقالت الرئاسة العراقية، في بيان، إن ذلك جاء في إثر اجتماع معصوم مع البارزاني في مدينة السليمانية، حيث تبادلا «وجهات النظر حول آخر مستجدات الوضع السياسي، لاسيما موضوع استفتاء الإقليم».
وجدّدت المملكة العربية السعودية مناشدتها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني عدم إجراء الاستفتاء الخاص باستقلال الإقليم، وذلك “لتجنيب العراق والمنطقة المزيد من المخاطر التي قد تترتب على إجرائه”، بحسب ما ورد في تصريح لمصدر سعودي مسؤول نشرته، الأربعاء، وكالة الأنباء الرسمية “واس”.
وتسعى الرياض لتوظيف ثقلها السياسي والدبلوماسي لإحداث اختراع في الأزمة القائمة بسبب الاستفتاء المرتقب، والسائرة نحو المزيد من التعقيد بسبب تمسّك أربيل بالاستفتاء والردود المتشنّجة عليها من قبل بغداد وطهران وأنقرة.
وجدّد رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني الأربعاء، تمسّكه بإجراء الاستفتاء في موعده المحدّد، وذلك في خطاب ألقاه بمحافظة السليمانية قال فيه إنّ “الاستفتاء ليس ورقة ضغط كما يتصور البعض، بل هو خطوة نحو الاستقلال”.
وقال المصدر السعودي “إنه تقديرا للظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة وما تواجهه من مخاطر، وحرصا منها على تجنب أزمات جديدة قد تنتج عنها تداعيات سلبية، سياسية، وأمنية، وإنسانية، تشتت الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة بما في ذلك مكافحة التنظيمات الإرهابية والأنشطة المرتبطة بها، وانسجاما مع المواقف الإقليمية والدولية بهذا الشأن، فإن المملكة العربية السعودية تتطلع إلى حكمة وحنكة الرئيس مسعود البارزاني لعدم إجراء الاستفتاء الخاص باستقلال إقليم كردستان العراق، وذلك لتجنيب العراق والمنطقة المزيد من المخاطر التي قد تترتب على إجرائه”.
محاذير صدام جديد من شأنه أن يعمق أزمة العراق ويطيل معاناة شعبه من الحرب التي لا تزال قائمة ضد داعش
وعكس التصريح مجدّدا طبيعة الخطاب السعودي الهادئ إزاء الأزمة المتصاعدة حول الاستفتاء المرتقب والتي اتخذت بعدا إقليميا واضحا، وهو خطاب مختلف جذريا عن خطاب التهديد والوعيد من قبل كلّ من تركيا وإيران والذي يضع العراق على أعتاب صدام جديد من شأنه أن يعمّق من أزمته ويطيل من معاناة شعبه جرّاء الحرب التي لا تزال قائمة ضدّ تنظيم داعش وما نجم عنها من مآس.
ووردت في تصريح المصدر السعودي دعوة الرياض لـ”الأطراف المعنية إلى الدخول في حوار لتحقيق مصالح الشعب العراقي الشقيق بجميع مكوناته، وبما يضمن تحقيق الأمن والسلام في العراق ويحفظ وحدته وسيادته”.
وعكس التصريح أيضا وعيا سعوديا بمخاطر التشنّج في معالجة الملف عبر الدعوة “إلى عدم التسرع في اتخاذ أي مواقف أحادية الجانب من شأنها أن تزيد من تعقيد الوضع الإقليمي، والعمل وفق ما تقتضيه مصلحة الطرفين ويحقق تطلعات الشعب العراقي بالعودة إلى الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين وأحكام الدستور العراقي”.
وكانت الرياض ممثلة بوزير شؤون الخليج ثامر السبهان قد تواصلت مباشرة مع البارزاني في أربيل أملا في دفعه إلى حلّ وسط بشأن قضية الاستفتاء، فيما قالت مصادر دبلوماسية إن السعودية بذلت أيضا مساعي أخرى لدى عدد من أطراف الملف في كنف الهدوء والتكتّم لتأمين حظوظ أوفر لنجاح مساعيها.
وبانتظار اتفاق ينهي الأزمة، تبدو جميع الأطراف المعنية بالملف، متمسكة بمواقفها، فزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، يجدد إصراره على المضي في مشروع الانفصال عن الدولة التي يصفها بـ”الدينية المذهبية”، فيما يقول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن بغداد ترفض إجراء الاستفتاء جملة وتفصيلا، حتى إذا استثنيت منه كركوك والمناطق المتنازع عليها بين العرب والأكراد.
وجاءت أحدث خطابات البارزاني، الأربعاء، من مدينة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني، وحركة التغيير المعارضة للاستفتاء، إذ احتشد الآلاف من أنصار الزعيم الكردي، في ملعب المدينة الرياضي، ليستمعوا له، رافعين أعلام إقليم كردستان.
وجدد البارزاني التزامه بإجراء الاستفتاء في موعده المقرّر قائلا إنّ “الاستفتاء هو قرار شعب كردستان”، ومؤكّدا “ذهبنا الى الاستفتاء لأن بغداد لم تبق على الشراكة ولم تلتزم بالتعهدات ولا بالدستور، لذلك كان شعب كردستان مجبرا على اتخاذ قرار آخر”.
واعتبر في خطابه أنّ “العراق أصبح دولة دينية مذهبية”، مشيرا إلى أن “الوجوه فقط تتغير في بغداد، لكن السياسات باقية مثلما هي”.
ومضى قائلا إن “الاستفتاء هو الوسيلة لتحقيق الهدف الأسمى، وهو الاستقلال”، مستدركا بأنّ الاستفتاء لا يعني إعلان الدولة الكردية مباشرة، بل “التفاوض مع بغداد والمجتمع الدولي بعد الاستفتاء بهدف الاستقلال حتى اذا امتدت المفاوضات لعامين”.
وكان رئيس الوزراء، حيدر العبادي، قد جدد مساء الثلاثاء، رفض حكومته لإجراء الاستفتاء في كردستان “حتى على حدود آذار 2003”، قائلا “نرفض إجراءه داخل الإقليم وخارجه.. حاليا ولاحقا”.
ويقول مراقبون في بغداد إن إصرار أطراف الأزمة في العراق على مواقفها، تضع صعوبات أمام الوساطات الإقليمية والدولية في إيجاد مخرج.
وتقول مصادر سياسية إن دولا عدة، بينها الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وفرنسا، تواصل جهودها لإقناع البارزاني بالتخلي عن الاستفتاء حاليا، موضحة أن موقف الزعيم الكردي مازال متصلبا.
ويأمل مراقبون أن تسفر الوساطة الدولية عن حل في الساعات الأخيرة التي تسبق الاستفتاء، لكن من غير الواضح ما إذا كان هذا ممكنا حتى الآن.
ولوح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بإمكانية أن تدرس بلاده فرض عقوبات على كردستان العراق، في حال أجري الاستفتاء.
العرب اللندنية