بغداد – تمرّ العلاقات العراقية التركية بفترة انتعاش لم يسبق لها مثيل منذ عدّة سنوات ماضية، وذلك على أرضية الوفاق بين بغداد وأنقرة بشأن التوجّهات الاستقلالية للأكراد التي جسدوها مؤخّرا بتنظيم استفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق.
غير أن هذا الوفاق ليس سوى ظلّ وصدى للوفاق الأصلي بين تركيا وإيران المتنافستين الشرستين على النفوذ في المنطقة واللتين التقت مصلحتهما في التصدّي لإنشاء دولة كردية في المنطقة، لا يشكّ أحد في أنّها ستنتهي في ظروف مغايرة إلى المطالبة بمساحات واسعة من الأراضي التركية والسورية والإيرانية حيث يعيش الملايين من أبناء القومية الكردية.
وخلال السنوات القليلة الماضية تراوحت العلاقات العراقية التركية بين البرود الشديد والتوتّر بسبب عدد من القضايا والملفات، غير أنّه توتّر لم يكن بدوره سوى صدى للتنافس الإيراني التركي.
وتقود العراق منذ سقوط نظام حزب البعث سنة 2003 أحزاب شيعية معروفة بولائها الشديد لطهران والتأثرّ بمواقفها وسياساتها.
وبفعل الانتعاشة الكبيرة في العلاقات العراقية التركية بدت أنقرة التي عرفت تحت قيادة حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان بمواقفها الحادّة وبسياساتها “الهجومية” التي تصل حدّ التسرّع والاندفاع المفرط، بصدد الركض صوب بغداد، ومحاولة تحصيل مكاسب في العراق لم تستطع تحصيلها في السابق في ظلّ ممانعة إيران عن طريق أذرعها من قادة أحزاب وميليشيات شيعية عراقية.
ويرى محلّلون سياسيون أنّ “الهجمة” الدبلوماسية التركية الكثيفة على العراق قد تنتهي مجدّدا إلى تعظيم عامل التنافس مع إيران، وقد تصل حدّ إحياء العداء بين طهران وأنقرة خصوصا إذا تمّ تجاوز خطر قيام دولة كردية في المنطقة، وتراجعت الحاجة إلى المزيد من التنسيق التركي الإيراني لمواجهة النوازع الاستقلالية للأكراد.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الجمعة، إنه تلقى دعوة من نظيره العراقي حيدر العبادي، لزيارة بغداد خلال الأيام المقبلة.
تعجل تركيا في اختراق الساحة العراقية سينتهي إلى إعادة التنافس وقد يصل حد إحياء العداء بين أنقرة وطهران
وبشأن التواجد العسكري التركي على الأراضي العراقية والذي شكّل في الأشهر السابقة موضع خلافات وتراشق بين بغداد وأنقرة نظرا لكونه تمّ دون موافقة عراقية، قال يلدريم إنّ “الجنود الأتراك يتواجدون في معسكر بعشيقة بشمال العراق بهدف تدريب القوات التي تشارك في مكافحة تنظيم داعش”، مضيفا “إذا كان العراق يكافح التنظيم المتشدّد بمشاركة هامة من حرس نينوى الذي يتم تدريبه في المعسكر، فيجب ألا تكون هناك مشكلة بيننا”.
ومن الواضح أن التأثير الإيراني وراء خفوت مطالبة قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق لتركيا بسحب جنودها من شمال البلاد، حيث كثيرا ما نظر هؤلاء القادة إلى التواجد العسكري التركي على الأراضي العراقية من زاوية أن الهدف منه الإشراف على تأسيس ميليشيات سنّية في العراق تنافس الميليشيات الشيعية التابعة لإيران.
وفي إطار حالة الوفاق العراقي التركي المفاجئة، منحت أنقرة لبغداد حقّ التصرّف بمعبر الخابور الحدودي مع إقليم كردستان العراق. وقال يلدريم إن “بغداد هي صاحبة القرار بشأن إغلاق المعبر أو إبقائه مفتوحا”.
وفي ذات السياق، قال سفير العراق لدى أنقرة هشام علي الأكبر العلوي إن بلاده قد تستخدم القوة إذا لزم الأمر من أجل إدارة معبر الخابور، موضّحا أن “المناورات العسكرية العراقية التركية الأخيرة على الحدود كانت بمثابة استعداد لذلك”.
وأشار العلوي إلى أن “أنقرة وبغداد تبحثان حاليا سبل فتح معبر حدودي جديد بين البلدين بهدف تطوير التعاون والتبادل التجاري حيث سيتم اتخاذ خطوات ملموسة في المرحلة المقبلة”.
كما أكّد وجود تحضيرات لاستقبال رئيس الوزراء التركي في بغداد خلال الأيام المقبلة، قائلا “الحكومتان التركية والعراقية بحاجة إلى الاجتماع وجها لوجه، وهذه الزيارة ليست محصورة بموضوع الاستفتاء الكردي وإنما ستتناول في نفس الوقت قضايا ثنائية وإقليمية مهمة”.
العرب اللندنية