الكويت – قالت أوساط خليجية إن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الكويت وقطر هدفها البحث عن مخرج لأزمته السياسية واستغلال المخاوف القطرية من العزلة وتأثير المقاطعة طويلة الأمد لمراكمة الصفقات والاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية للتخفيف من أزمات الاقتصاد التركي والحد من الصعوبات التي تعيشها الشركات التركية في محيطها الإقليمي بسبب مواقف الرئيس التركي العدائية.
واستبعدت هذه الأوساط أن يكون أردوغان قد فتح موضوع الأزمة القطرية مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي التقاه أمس، مشيرة إلى أن أمير الكويت سبق أن أبلغ الرئيس التركي بأن السعودية أغلقت باب الوسطاء الهامشيين بشكل نهائي، وأن الأمر موكول لقطر لتفتح أبواب الحوار من جديد عبر تنفيذ ما هو مطلوب منها، وما سبق أن التزمت به في 2013 و2014.
وتشير إلى أن الرئيس التركي سبق أن اطلع بشكل كاف على موقف الرياض بشأن الوساطة مع قطر خلال زيارته الأخيرة لها في الأسبوع الأخير من يوليو الماضي، وتسلم هناك رسالة واضحة بأن لا وسطاء ولا حلول مقترحة قبل أن تنفذ قطر ما هو مطلوب منها.
وتثير زيارات أردوغان المتتالية إلى المنطقة الكثير من التساؤلات خصوصا بعد رفض السعودية التعاطي مع الوساطات التي تهدف إلى تسجيل الحضور وتسليط الأضواء على صاحبها، فضلا عن انحياز الرئيس التركي من البداية لطرف دون آخر، ويريد أن يحصل على مقابل سريع لهذا الانحياز.
ويقول متابعون للشؤون الخليجية إن الرئيس التركي يتحرك في الظاهر بثوب الوسيط، لكنه يهدف في السر إلى توسيع دائرة الخلاف بين قطر وجيرانها الخليجيين لاستثمار ذلك في الضغط عليها لتوقيع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مختلفة تفك أزمة الاقتصاد التركي المتراجع على خلفية تراجع الموقع التركي سياسيا بسبب أردوغان نفسه.
ياوز بيدر: أردوغان لاعب غير موثوق وتركيا خسرت نفوذها في المنطقة
وتساءل المتابعون عن سر تركيز أردوغان على حشر الكويت في مختلف زياراته مع أنها وسيط ملتزم بمواقف مجلس التعاون الخليجي تجاه قطر من جهة، وتجاه الدول الإقليمية التي سارعت إلى الاستثمار في الأزمة القطرية، محذرين من مسعى تركي لجر الكويت إلى طريق قطر وإيهامها بالدعم الاقتصادي وإغراقها في الاتفاقيات والوعود بالحماية.
وحذروا من أن خطاب حسن النوايا التركي هدفه جر قدم الكويت إلى الابتعاد تدريجيا عن عمقها الخليجي، متناسيا أن دور الوساطة الذي تقوم به كلفت به من طرف السعودية ولم تختره لنفسها، وأن الهدف منه تكليف دولة معينة لإيصال الرسائل الخليجية إلى الدوحة، وليس تصنيفها مع المقاطعة أو ضدها.
وقالت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية (كونا) إن الكويت وتركيا وقعتا الثلاثاء اتفاقيات تعاون في مجالات الرياضة والاقتصاد والأبحاث العلمية على هامش زيارة أردوغان.
وقبيل التوقيع على الاتفاقيات، عقد أمير الكويت وأردوغان جلسة مباحثات تناولت “أبرز القضايا في المنطقة وآخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية”، وفقا لبيان كويتي رسمي.
كما بحث رئيس الأركان العامة للجيش الكويتي الفريق الركن محمد الخضر مع رئيس أركان القوات المسلحة التركي الفريق أول خلوصي آكار “الجوانب العسكرية وسبل تطويرها وتعزيزها بين البلدين”.
ويبدو أن الرئيس التركي يلجأ إلى زيارة الكويت للتعويض عن عجزه عن زيارة بلدان خليجية أو عربية أخرى بسبب البرود في العلاقات الناجم عن مواقف أردوغان المعادية لكثير من الدول في المنطقة، ودعم حركات وأحزاب إخوانية في الوصول إلى السلطة.
وبعد تسلمه العرش، سرّع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز العلاقات مع تركيا وشارك في القمة الإسلامية التي احتضنتها مدينة إسطنبول في 2016، لكن الرياض وقفت على حقيقة أن أردوغان يحرص على الحصول على المزايا الاقتصادية للتقارب مع المملكة، لكنه يصطف في الحلف المقابل من حيث المواقف السياسية، إذ لم يخف دعمه لأذرع إيران في اليمن، فضلا عن انحيازه لجماعة الإخوان المسلمين على حساب أمن مصر واستقرارها.
ووصف ياوز بيدر رئيس تحرير موقع “أحوال تركية” الذي يصدر بالإنكليزية والتركية والعربية زيارة أردوغان إلى الكويت وقطر، بأنها ستنتهي على الأغلب بخيبة أمل من ناحية جهوده المتعلقة بدوره في إيجاد حل للأزمة الخليجية.
وقال ياوز في تصريح لـ”العرب” إن “تركيا خسرت كل نفوذها كصانع سلام في المنطقة، ويُنظر إلى أردوغان كلاعب غير موثوق به كونه يتصرف بطريقة غير قابلة للتنبؤ بها بخصوص العلاقات الدولية والإقليمية”.
الاستقواء بالحل العرضي
وأضاف رئيس تحرير موقع “أحوال تركية” الذي انطلق مؤخرا “طالما أن أردوغان مستمر بتقدمه نحو الخط الذي يخدم إيران في الأزمة القطرية، فإن هذا يقوي من سمعة الرجل كوسيط لا يمكن الاعتماد عليه، وفي نفس الوقت ستكون جهوده دون جدوى”.
ويبدو أن لا أحد يثق في وساطة الرئيس التركي سوى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي يحاول إقناع القطريين الذين يعيشون على وقع المقاطعة بأن الأزمة غير موجودة، وأن لا غالب فيها ولا مغلوب، وهو ما اعتبره مراقبون خليجيون محاولة يائسة للتهوين من حدة الأزمة.
وأشار المراقبون إلى أن التهوين من الأزمة بشكل متكرر هو اعتراف بوطأتها على السلطات القطرية التي يبدو أنها لم تقبل أسلوب الإهمال الذي يعتمده رباعي المقاطعة في التعاطي مع الأزمة بعد أن توقفت التصريحات المحذرة للدوحة من الهروب إلى الأمام، وتوقف استقبال الوسطاء الذين يجيئون ويذهبون دون أن يحملوا أي ضمانات جدية من قطر بتنفيذ التزاماتها.
وقال أمير قطر “نحن لا نخشى مقاطعة هذه الدول لنا، فنحن بألف خير من دونها”، مضيفا أن “المجتمع القطري يعرف كيف يعيش حياته ويزدهر ويتطور سواء أطال الحصار أم قصر”.
وأضاف أمام مجلس الشورى المعين أن “الآثار الاقتصادية السلبية” كانت “مؤقتة” بالرغم من بذل الدول الأربع “جهودا متواصلة” للإضرار باقتصاد قطر و”نشر الشائعات والافتراءات والعمل ضد استضافة قطر كأس العالم (لكرة القدم) عام 2022″.
ولفت المراقبون إلى أن تزامن خطاب أمير قطر أمام مجلس الشورى مع زيارة الرئيس التركي للدوحة، ومحاولة إظهار الاكتفاء وعدم التأثر بالمقاطعة، هو استمرار في الاستقواء بالحل العرضي، أي الحصول على منتجات وسلع إيرانية وتركية لفترة محدودة، على الحل الدائم، وهو بناء الثقة مع العمق الخليجي الذي يجنب الدوحة تكاليف باهظة لارتمائها بين يدي طهران وأنقرة.
العرب اللندنية