يقوم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بزيارة واشنطن وتحت ضغط وألحاح من الرئاسات الثلاثة ورئيس مجلس النواب سيُطالب الأدارة الأمريكية بتزويد العراق بأسلحة وطائرات وذخيرة وقنابل وبالسرعة الممكنة.
بمليارات الدولارات المبذرة بعبث، وبخزينة شبه خالية، وآلاعيب الرقص على حبال الطائفية والقومية، ورغم النصائح المكررة لهم والتجارب التي مرت عليهم وإليهم ورغم فساد مالي يخص مشتريات الأسلحة بإعترافاتهم وإعتراف قيادات أمريكية بأخطائها (لامجال لنشرها بأيجاز لكثرتها) وبعبارات التبرير الصحفية للرأي العام الأمريكي والدولي، ومع كل ذلك يطالب سياسيو العراق بنوابه وشيوخه وعشائره العربية والكردية وكل فروع مذاهبهم خلال جولاتهم ومفاوضاتهم مع الأدارة الأمريكية وسفيرها في بغداد يطالبون من إدارة أوباما والبنتاغون، الأسراع لبيعهم الأسلحة الحديثة الفتاكة من مدرعات ومدفعية وأعتدة وقنابل وطائرات قتال هليوكبتر مسلحة، وحتى طائرات ” بريديتر” بدون طيار، كما يطالبون تكثيف طلعات الطائرات الحربية الأمريكية للقيام بعمليات الأستطلاع والمراقبة و ضرب أهداف داخل العراق وإستعداد قادة العراق لقبول الصراع الدائم مع العدو ” كخناقة البدوي مع لثة أسنانه”.
ومن المهم فهم النقاط الأيضاحية التالية عن توجه الحكومة الى مشتريات السلاح وجنونية حيازته وتبريره للعامة بأنها ” تواجه القضايا الأنية والمصيرية” فتعداد المنظومة العسكرية بأصنافها المختلفة وصل الى المليون مسلح. والعمل المسلح يحتاج الى جانب إمتلاك فتك السلاح، مسؤولية وأداء وضبط وثقافة(( وهي عوامل مفقودة تنساها الصنوف العسكرية بعد أيام من تدريبهم على كراسات ومناهج وكتب “دليل الميدان العسكري”.
النقطة المعلومة الأخرى، أنه يوجد على أرض العراق وحده مالايقل عن 16 منظمة سرية وعلنية تعمل كمليشيات وفق توجهاتها المذهبية والسياسية وتسكت الحكومة عن سلوكياتها وتصرفاتها، ومالايقل عن 46 منظمة اخرى في عالمنا العربي منضوية في (مليشيات) تحمل السلاح وفق عقيدتها وعقيدة مسانديها من حكومات وأحزاب دينية وسياسية ويجري تدريبها على أرضهم.
ثم عندما تقرأ بعمق ودقة الحالة السياسية النفسية للمجتمعات العربية، وأخص منها بالذات الدولة العراقية ودول الخليج، فأن مسؤوليها يعتقدون بأن عنوان حضارتنا وتراثنا يجب أن يتوجا بأعتى الأسلحة العصرية ويعتقدون أن عنوان تقدمنا العلمي والإقتصادي لايتم إلا بقوة جيوشنا وإستعراض بأسهم وجبروتهم بما تقتنيه الحكومة من سلاح ومطالبة الدول الأجنبية بتوفيره وبأسرع الطرق الممكنة لتوقيع عقوده.
والحقيقة التي لايستطيع أحداً أن ينكرها أن حكومة العبادي والرئاسات الثلاث ورئيس مجلس النواب العراقي صعدوا من مطالباتهم (( للأسلحة النارية الفعالة التصويب والدقة، لا للأدوية والمختبرات والمعدات والأجهزة الطبية الحديثة )) وأوصلوا أصواتهم الى الإدارة الأمريكية للاسراع بإرسال الأسلحة والأعتدة والقنابل وسيوف الحضارة الجديدة للتباهي والتشدق بأهتماهم بشؤون العراق الأمنية بتفكير بدائي يائس يتحكم فيه عقل معاق ويأس مجتمعي وشذوذ من الأعتقادات المحلية في المحافظات، بأن ألامن والإستقرار لايتحقق إلا بأكداس أسلحة فعالة وثقيلة وزيادة الوحدات والصنوف العسكرية بملاكات الجنود وزيادة أعدادهم.
لايوجد مايدحض القول بأن العراق في صراع وحروب مستمرة لم تتوقف يوماً منذ إنتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918. والأدهى أنه لايوجد مايدحض حقيقة أستخدام الحكومات العراقية المتعاقبة السلاح لقمع أبناء وطنهم أولاً وتدمير ممتلكاتهم نظراً لإختفاء رجاحة العقل السياسي المدبر. نحن نخسر شعبنا وأموالنا ونخسر كذلك حروبنا الوثنية بشراء الأسلحة. والذين تسببوا في الخذلان هم أنفسهم من تسببوا في نشر حالة اليأس والقنوط والهزيمة والتراجع المجتمعي لشعبهم. فهل أدرك ذلك عقلُ عاقل؟
وكل الدلائل الجديدة تشير الى أن كل بقعة من أرض العراق موبوءة بفئات معارضة سرية وعلنية وتُخالف مناهجها فئات معارضة مناوئة. وفلتان الأمن وتدمير متاحف وآثار السريان والأشوريين يسرى خرابها من محافظة نينوى الى داخل العاصمة بغداد رغم التشدد المفروض لبسط سيطرة عسكرية على الأرض. وسواء أكان حيازة السلاح قد تم ويتم بجنون الرغبة بالأنتقام أو جدية منع أي محاولة عشائرية أو قومية من تأجيج حرب أهلية تؤدي الى تقسيم العراق فأن النتيجة واحدة. وهي بإختصار خذلان تراكم أسلحتهم. فما الذي فعلته حيازة الأسلحة وأكداس مشترياتها لحكومات الرمز واليأس والبطش المتعاقبة؟ المزيد من مشتريات الاسلحة وإقناع النفس بأنها الحل المناسب يدخل في جنون الرغبة بالقوة الخاشمة!!! وبجنون الرغبة هذه، فأن هناك خشية حقيقية من إنتشار هوس حيازة الأسلحة وبطريقة تشير الى إيمان القيادات السياسية بمجتمع عشائري مناطقي يحمل السلاح في كل قرية ومدينة وليملئ أرض العراق ويغطي طرقها وقصباتها ومزارعها وتنتشر فيه ثقافة الصراع والقتال، حيث لا يوجد في الحياة ماهو أهم لمجتمعاتهم وحاجاته لهذا الهوس وجنونه.
ومن جديد، ومن المتوقع، سيطلب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي خلال زيارته للولايات المتحدة (كغيره ممن سبقوه) الحصول على أسلحة ومعدات جديدة وتأجيل سداد ثمن صفقاتها، بسبب تراجع أسعار النفط التي عصفت بأموال الدولة العراقية وعجز الموازنة المتوقع بحدود 21 مليار دولار هذا لعام 2015. ويبدو أن المساهمة الأمريكية للمساعدات الأنسانية ستبلغ 200 مليون دولار، وليبقى سراً تفاصيل ما ستبيعه شركات الاسلحة الأمريكية الضخمة للعراق.
ضياء الحكيم
ايلاف