دمشق- شارفت العملية العسكرية التي تشنها القوات التركية بدعم من فصائل سورية في منطقة عفرين بريف حلب ضد وحدات حماية الشعب الكردي على إتمام شهرها الأول دون أن تحرز تقدما لافتا يحسب لها، وسط تزايد عدد القتلى في صفوفها، الأمر الذي يثير قلق أنقرة من تحول المنطقة إلى مستنقع يستنزف قواتها.
وأكد نشطاء الأحد اندلاع اشتباكات عنيفة في غربي مدينة عفرين وشمالها، بعد يوم دام للقوات التركية سقط فيه نحو 12 جنديا، فضلا عن وقوع طائرة هيلكوبتر عسكرية أعلن المسؤولون الأكراد أنها أسقطت بنيرانهم فيما ذكرت أنقرة أنها وقعت جراء عطل فني.
واعتبرت مصادر عسكرية أن الاستماتة الكردية في عفرين لا تعود فقط إلى صلابة مقاتلي المنطقة وشراستهم خاصة مع وجود التفوق التركي الجوي، بل أيضا إلى النظام السوري الذي سمح للمئات من العناصر الكردية بالانتقال من مناطق أخرى كريف حلب إلى عفرين عبر الأراضي التي يسيطر عليها، لإسناد القوى المقاتلة هناك ضد القوات التركية.
ولطالما كانت العلاقة بين الأكراد والنظام ملتبسة، وتتأرجح بين العداء والتنسيق، وذلك وفق للمنطقة الجغرافية المتواجدين بها، ففي دير الزور شرقي سوريا سجلت أكثر من مواجهة بينهما، ولكن يختلف الأمر في عفرين بالنظر إلى أنهما يتشاركان وجهة النظر حيال التدخل التركي الذي يعتبرانه “عدوانا واحتلالا” لأراض سورية، وربما هذا ما يفسر غض النظام الطرف عن عبور مقاتلين أكراد لأراضيه والتوجه صوب عفرين.
من الثابت أن تكون روسيا على دراية بدعم النظام لأكراد عفرين، بل لربما تشجع عليه لجهة أنه من صالحها إطالة أمد الصراع بين تركيا والوحدات
وكانت تركيا قد بدأت في 20 يناير الماضي عملية عسكرية أطلقت عليها “غصن الزيتون” بدعم من فصائل من المعارضة السورية، لطرد وحدات حماية الشعب التي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني، من عفرين المتاخمة للحدود التركية.
وفي الأيام الأولى من العملية قامت الوحدات الكردية بإجراء اتصالات مكثفة بمسؤولي النظام السوري لإرسال قوات لدعمهم في مواجهة تركيا، بيد أن الأخير ومن خلفه روسيا وضع شرطا للتدخل ومنها تسليم المنطقة للجيش السوري وهذا ما رفضه الأكراد بشدة.
وقد اتهمت الوحدات روسيا بابتزازهم وإعطاء الضوء الأخضر لتركيا للقيام بالعملية، وهناك الكثير من الدلائل التي تدعم وجهة النظر الكردية لجهة عملية إخلاء روسيا لعناصر لها متواجدة في المنطقة قبل انطلاقة الهجوم التركي، فضلا عن أنها فسحت المجال الجوي أمام الطائرات التركية، حيث أنه كان يمكن لها أن ترفض ذلك.
وفي مقابل ذلك اعتمد الأكراد لغة أكثر مرونة مع النظام السوري، وابتعدوا عن استفزازه، علهم يتمكنون من إقناعه بضرورة السماح لمقاتليهم بالمرور إلى عفرين وهو ما تم فعلا. وأكد ممثلون عن الأكراد والنظام لوكالة “رويترز” أن الحكومة السورية توفر دعما غير مباشر للأكراد من مقاتلين ومدنيين وساسة من خلال السماح لهم بالوصول إلى عفرين عبر الأراضي الخاضعة لسيطرتها.
ومن الواضح أن النظام بخطوته الداعمة للأكراد عبر السماح بوصول تعزيزات إليهم في عفرين يسعى لتعطيل تقدم القوات التركية، وإطالة أمد الصراع بين القوتين اللتين تنازعانه السيطرة على أراض سورية.
ويشكل التعاون بين الجانبين إحراجا للولايات المتحدة الحليفة للأكراد، إلا أنها على ما يبدو ترى أنه من المفيد عقد مثل هذا التعاون، شريطة أن لا يعني استمالتهم إلى الجهة المقابلة. وتبدو الولايات المتحدة حتى الآن عاجزة عن مساعدة القوات الكردية في عفرين حيث أنها لا تملك قوات هناك، فضلا عن أن تعقيدات المشهد تفرض عليها التزام سياسة مرنة في التعاطي مع الجانب التركي وعدم الاصطدام معه، ما لم يخرق حتى الآن خطوطها الحمراء كالتوجه شرقا نحو منبج.
وتقول القوات التي تقودها الوحدات في شمال سوريا إنها توصلت في غياب الحماية الدولية إلى اتفاقات مع دمشق للسماح بإرسال تعزيزات إلى عفرين من مناطق أخرى يسيطر عليها الأكراد في كوباني (عين العرب) والجزيرة. ويوضح كينو غابرييل المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية أنه توجد طرق مختلفة لإرسال التعزيزات إلى عفرين، لكن “مبدئيا هناك الطريق الأساسي الذي يمر عن طريق قوات النظام. وهناك تفاهمات بين القوتين لتأمين المنطقة.. لإرسال التعزيزات”.
من جهته يرى قائد في التحالف العسكري الذي يقاتل دعما للأسد أن الأكراد ليس أمامهم خيار سوى التنسيق مع الحكومة السورية للدفاع عن عفرين. وأضاف القائد الذي اشترط إخفاء هويته “النظام يساعد الأكراد إنسانيا وبعض الشيء لوجستيا كغض النظر وتسهيل وصول بعض الدعم الكردي من بقية الجبهات”.
وتمثل حرب عفرين منعطفا جديدا في العلاقات المركبة التي تربط بين الأسد والجماعات الكردية السورية وعلى رأسها وحدات حماية الشعب التي اقتطعت مناطق في شمال سوريا منذ العام 2011.
كينو غابرييل: هناك تفاهمات بين الأكراد والنظام لإرسال التعزيزات إلى عفرين
وتسيطر وحدات حماية الشعب على كل الحدود السورية مع تركيا تقريبا، غير أن عفرين تفصلها عن المنطقة الأكبر الخاضعة للسيطرة الكردية في الشرق منطقة تمتد مسافة 100 كيلومتر يسيطر عليها الجيش التركي وفصائل من المعارضة السورية متحالفة مع أنقرة.
وطوال الحرب تحاشت دمشق ووحدات حماية الشعب المواجهة ومرت أوقات قاتل فيها الطرفان أعداء مشتركين من بينهم جماعات معارضة تساعد الآن تركيا في هجوم عفرين، غير أن التوترات تصاعدت في الأشهر الأخيرة وهددت دمشق بالتوغل في مناطق من شرق سوريا وشمالها استولت عليها قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومما يؤكد ذلك أن القوات الموالية للحكومة السورية هاجمت قوات سوريا الديمقراطية في إقليم دير الزور الشرقي، الأمر الذي أدى إلى تدخل طيران التحالف ليلا في غارات أسفرت عن مقتل أكثر من 100 فرد من القوات المهاجمة حسبما أعلن التحالف.
وقال نواه بونزي المحلل المتخصص في الشأن السوري بمجموعة الأزمات الدولية “سمح النظام لوحدات حماية الشعب بنقل أفراد إلى عفرين في الوقت الذي هاجمها فيه شرقي (نهر) الفرات. أعتقد أن ذلك دليل على حالة العلاقات” بين الجانبين.
وأضاف “لا تزال هناك فجوة كبيرة بين مواقف وحدات حماية الشعب والنظام من مستقبل شمال شرق سوريا”. ولا تزال الجماعات الكردية الرئيسية متمسكة برؤيتها لدولة سورية تتمتع فيها بالحكم الذاتي في ظل شكل من أشكال الفيدرالية يختلف عما عقد الأسد العزم عليه من استرجاع سوريا كلها.
وقد سمح كل جانب للآخر بأن يكون له موطئ قدم على أراضيه. ففي القامشلي حيث السيطرة للأكراد لا تزال الحكومة تسيطر على المطار، وفي حي الشيخ مقصود في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الحكومة تجوب قوات الأمن الكردية الشوارع.
وقال مسؤولون أكراد في حي الشيخ مقصود في حلب إن العشرات من الأكراد توجهوا من الحي إلى عفرين للمشاركة في القتال. وتتطلب هذه الرحلة القصيرة الانتقال عبر مناطق تحت سيطرة الحكومة أو الفصائل الشيعية المدعومة من إيران المتحالفة معها.
ومن الثابت، وفق البعض، أن تكون روسيا على دراية بدعم النظام لأكراد عفرين، بل لربما تشجع عليه لجهة أنه من صالحها إطالة أمد الصراع بين تركيا والوحدات لما لذلك من تداعيات على العلاقة بين الحليفين في الناتو واشنطن وأنقرة.
العرب اللندنية