في الساعات الأولى من 10 أيار/مايو، أُطلقت حوالي ثلاثين قذيفة من الأراضي السورية على مواقع عسكرية إسرائيلية أمامية على طول مرتفعات الجولان المحتلة. ووصف “جيش الدفاع الإسرائيلي” هذه القذائف على أنها صواريخ إيرانية من طراز “غراد” و “فجر-5” – وأضاف أن جميعها باستثناء أربعة صورايخ سقطت في سوريا دون وقوع إصابات، بينما تم اعتراض الصواريخ الأخرى من قبل أنظمة “القبة الحديدية” الإسرائيلية.
ورداً على ذلك، سارع “الجيش الإسرائيلي” إلى شن غارات جوية وهجمات صاروخية على ستين منشأة للاستخبارات العسكرية الإيرانية، وأهداف لوجستية، ومجمّعات عسكرية في سوريا، من بينها مستودع أسلحة خاص بـ «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني في مطار دمشق. كما تم استهداف مواقع الدفاع الجوي السوري الفعالة. ووفقاً لـ مصادر عسكرية روسية، أطلقت إسرائيل ستين صاروخ جو- أرض وعشرة صواريخ أرض- أرض.
وتقول مصادر “الجيش الإسرائيلي” إن الهجوم جاء بأمرٍ من قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. وعلى الرغم من أنه من غير المعروف ما إذا كانت إيران قد أخطرت دمشق مسبقاً حول هجماتها المرتقبة، إلّا أن مصادر عسكرية سورية سرعان ما ادّعت أن قواتها كانت وراء العملية، التي وصفها رئيس البرلمان السوري حمودة صباغ بأنها بداية حقبة جديدة في صراع سوريا ضد أعدائها.
كما أشارت مصادر سورية وإيرانية إلى أن صليات الصواريخ استهدفت بشكل رئيسي المخابرات الإسرائيلية ومنشآت القيادة في مرتفعات الجولان، من بينها مواقع التشويش الإلكترونية ومراكز المراقبة التابعة للوحدة السرية “9900” التابعة لـ “الجيش الإسرائيلي”. وبالمثل، شملت الهجمات الإسرائيلية الانتقامية أهدافاً تتعلق بأنشطة الاستخبارات الإيرانية والسورية.
ومن بين الأنظمة التي استُخدمت في الهجوم الأصلي صاروخ “غراد”، وهو نظام الصواريخ المتعدد الطلقات المُرَكبَ على شاحنة، الذي يبلغ قطره 122 ملم ومداه 20 كلم. ولكن لدى القوات الإيرانية ووكلائها أيضاً صواريخ “فجر” ذات مدى أطول، ويمكن إطلاقها من مسافة أبعد من ذلك بكثير. ويبلغ قطر صاروخ “فجر-3” 224 ملم ومداه 45 كلم، ويمكنه الوصول إلى مواقع إسرائيلية في شمال الجولان إذا ما تم إطلاقه من الضواحي الجنوبية لدمشق. وأكدت بعض الصور المحلية استخدام صواريخ “فجر-5” ذات عيار أكبر، حيث يبلغ قطرها 333 ملم ومداها 75 كلم، مما يشير إلى إمكانيتها الوصول إلى جنوب الجولان، إذا ما تم إطلاقها من مناطق بعيدة مثل محافظة السويداء وقاعدة “الثعلة” الجوية القريبة منها. ووفقاً لمصادر إعلامية سورية مستقلة (على سبيل المثال، أنظر هنا وهنا)، ضربت العمليات الانتقامية الإسرائيلية أربعة وعشرين هدفاً على الأقل في السويداء وحدها، من بينها مواقع الرادار والدفاع الجوي.
أما بالنسبة إلى سبب شن الهجوم الأصلي في المقام الأول، فقد يكون هدف المهاجمين القيام برد مناسب للضربة التي شنتها إسرائيل في 9 نيسان/أبريل على منشآت الطائرات الإيرانية بدون طيار في قاعدة “التياس” (T-4) الجوية العسكرية وضرباتها اللاحقة ضد أصول الدفاع الجوي. ومن خلال الحد من نطاق الهجوم، ربما يكون المهاجمين قد سعوا إلى تجنب التصعيد الخارج عن السيطرة، وربما لم يتوقعوا مثل هذا الانتقام المكثف من جانب “جيش الدفاع الإسرائيلي”. ويبدو أن القرار الواضح بعدم استخدام صواريخ أكثر دقة وأكثر قوة على غرار صاروخ “فاتح” تدعم هذه الفكرة (على افتراض أن هذه الأسلحة ما زالت متوفرة للقوات في سوريا في أعقاب الغارات الإسرائيلية السابقة). وقد يتغير هذا الاستنتاج إذا تبيّن أن إيران قد استخدمت أياً من النسخ الأكثر تطوراً من صاروخ “فجر”، بما فيها الإصدارات المُوَجهَة ذات الرؤوس الحربية العنقودية. ومع ذلك، اتسم رد طهران الرسمي حتى الآن بالصمت، مما يدل على رغبتها في تجنب المزيد من الأعمال العدائية في الوقت الحالي.
ومع ذلك، لا يمكن استبعاد إمكانية التصعيد تماماً، خاصة وأن الجهات المتحاربة المعادية الأخرى توجّه التهديدات في أعقاب الهجمات الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، أعلنت الجماعة المسلحة الفلسطينية “لجان المقاومة الشعبية”، التي تتخذ من غزة مقراً لها، أن “أي رد فعل عسكري صهيوني سيواجَه بعمليات أقوى وأثقل في العمق الصهيوني”، في إشارةٍ إلى استهداف الداخل الإسرائيلي. وقد يسعى النظام السوري، من خلال محاولة تبنّي الهجوم الصاروخي، إلى تعزيز شرعيته بين الرأي العام العربي عبر الانخراط في صراع مباشر مع “العدو الصهيوني”.
ومع ذلك، فإذا صحّ ما تقوله المصادر الإيرانية، أي أن الهدف الرئيسي من الضربة الصاروخية كان ردع إسرائيل وإضعاف تأثير الجهود الرادعة لـ”جيش الدفاع الإسرائيلي”، فإن الأحداث اللاحقة تُظهر أن هدف الضربة قد فشل. فوفقاً لوزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، رد “الجيش الإسرائيلي” بسرعة وبشكل غير متناسب من خلال مهاجمة “جميع المرافق التي تديرها إيران في سوريا تقريباً”. وقد يؤثر هذا الرد فعلاً على الحسابات المستقبلية لإيران وحلفائها عندما يقررون القيام بالخطوة التالية. فإذا كانت الضربات الإسرائيلية فعالة كما أشار البعض، وإذا كانت الخسائر الناتجة ضئيلة بما يكفي لإبقاء طهران بعيداً عن الشعور بالالتزام بالرد والثأر، فعندئذ سيحلّ هدوء مؤقت خلال الأسابيع القادمة.
وفي إطار الصورة الأوسع، أظهرت إسرائيل، من خلال عملياتها المتكررة لاستباق التحركات العسكرية الإيرانية العدوانية في سوريا، عزمها على منع «فيلق القدس» من ترسيخ وجوده على حدودها الشمالية الشرقية وإطلاقه حملة استنزاف على نمط العمليات [التي تواجهها إسرائيل] من غزة، والتي يمكن أن تصبح في النهاية نسخة سورية من «حزب الله».
فرزين نديمي
معهد واشنطن