الباحثة شذى خليل*
أثار الإعلان الأخير للمتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، بشأن رفع أسعار البنزين، نقاشات على مستوى البلاد. وبينما قد ينظر البعض إلى هذا القرار بعين الشك، فمن الضروري الاعتراف بالتأثيرات الإيجابية المتعددة الأوجه التي يمكن أن تحدثها على اقتصاد العراق ومجتمعه. ومن خلال رفع أسعار البنزين وتنفيذ تدابير تكميلية للحد من استخدام السيارات والواردات، تهدف الحكومة إلى معالجة القضايا الحرجة مثل الازدحام المروري، والمخاوف البيئية، والاستدامة المالية. دعونا نتعمق في الكيفية التي يمكن بها لهذه التدابير أن تمهد الطريق لمستقبل أكثر إشراقا للعراق.
و تعتبر الزيادة في أسعار البنزين خطوة حاسمة نحو الحد من الاستخدام المفرط للسيارات، وبالتالي تخفيف الازدحام المروري في المدن الكبرى مثل بغداد. لا يؤدي الازدحام المروري إلى إعاقة الإنتاجية والنمو الاقتصادي فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى زيادة استهلاك الوقود وتلوث الهواء. ومن خلال جعل البنزين أكثر تكلفة، يتم تحفيز الأفراد على استكشاف وسائل نقل بديلة مثل النقل العام أو ركوب الدراجات أو مشاركة السيارات. ولا يؤدي هذا التحول نحو النقل المستدام إلى تخفيف الازدحام فحسب، بل يقلل أيضًا من البصمة الكربونية للبلاد، مما يساهم في جهود الحفاظ على البيئة.
علاوة على ذلك، فإن قرار رفع أسعار البنزين يتماشى مع الهدف الأوسع للحكومة المتمثل في تقليل الاعتماد على الوقود المستورد، وبالتالي تعزيز أمن الطاقة والاستقرار المالي في العراق. ويعاني العراق، على الرغم من كونه دولة غنية بالنفط، من عجز في الميزانية تفاقم بسبب الدعم الكبير للوقود. ومن خلال تعديل أسعار البنزين لتعكس واقع السوق، يمكن للحكومة تخفيف العبء على خزانة الدولة مع تشجيع الإنتاج المحلي والاستثمار في بدائل الطاقة المتجددة. ولا تعمل هذه الخطوة على تعزيز الاكتفاء الذاتي فحسب، بل تقلل أيضًا من تعرض البلاد لأسواق النفط العالمية المتقلبة.
فإن الإجراءات المصاحبة التي أعلنها العوضي، مثل زيادة رسوم تسجيل السيارات ودراسة زيادة الرسوم الجمركية على السيارات المستوردة، لها دور فعال في الحد من الإفراط في ملكية السيارات وتعزيز استخدام وسائل النقل العام. ومن خلال جعل ملكية السيارة أكثر تكلفة، يُطلب من الأفراد إعادة النظر في خيارات النقل الخاصة بهم، مما يؤدي إلى تحول تدريجي نحو أنماط تنقل أكثر استدامة. و فتح الطرق المغلقة في بغداد وتنفيذ فترة تجريبية لساعات العمل المعدلة يظهر التزام الحكومة بمعالجة القضايا النظامية التي تساهم في الازدحام وعدم الكفاءة في المناطق الحضرية.
قد يزعم المنتقدون أن الارتفاع في أسعار البنزين يمكن أن يؤثر بشكل غير متناسب على الأفراد ذوي الدخل المنخفض، مما يؤدي إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن الحكومة لديها الفرصة لتعويض أي آثار سلبية من خلال تنفيذ الإعانات المستهدفة أو برامج المساعدة الاجتماعية لدعم الشرائح الضعيفة في المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفوائد الطويلة الأجل المترتبة على انخفاض الازدحام، وتحسين نوعية الهواء، وتعزيز الاستدامة المالية تفوق بكثير التحديات القصيرة الأجل التي تفرضها تعديلات الأسعار.
وفي الختام، فإن قرار رفع أسعار البنزين وتنفيذ التدابير التكميلية يمثل خطوة جريئة ولكنها ضرورية نحو تعزيز التنمية المستدامة والمرونة الاقتصادية في العراق. ومن خلال تشجيع التحول نحو النقل المستدام، وتقليل الاعتماد على الوقود المستورد، ومعالجة القضايا النظامية التي تساهم في الازدحام، تمهد الحكومة الطريق لمستقبل أكثر ازدهارًا ووعيًا بالبيئة. ورغم أن هذا التحول قد يفرض تحديات أولية، فإن الفوائد المتوخاة من حيث الكفاءة الاقتصادية، والاستدامة البيئية، وأمن الطاقة تجعل منه خطوة سياسية حكيمة ومتقدمة. وبينما يشرع العراق في هذه الرحلة التحويلية، فمن الضروري أن يتعاون أصحاب المصلحة بشكل فعال ويدعموا المبادرات التي تمهد الطريق لغد أكثر إشراق .
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية