جرى لقاء في العام 2023 على هامش الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكان الاجتماع تعبيرا عن تحسّن بطيء في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب بعد توتّر كبير بسبب سياسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الفلسطيني، وخلاله تحدث اردوغان عن ضرورة العمل من أجل عالم يسوده السلام وعن إطار للعمل مع إسرائيل يشمل مجالات الطاقة والتقنية والاختراع والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
بعد 27 يوما من ذلك اللقاء نفّذت حركة «حماس» عملية 7 تشرين أول/أكتوبر الذي استخدمته إسرائيل مبررا لشن حرب إبادية مهولة على قطاع غزة، وبعد يومين من العملية أطلق اردوغان تصريحا يشير إلى أن المسألة الفلسطينية تقع في صلب كل المشاكل في المنطقة وإن لم يتم حلها بشكل عادل فالمنطقة ستظل تتوق للسلام، وفي 25 من الشهر نفسه أعلن اردوغان إلغاء خطة لزيارة إسرائيل قائلا: «كانت لدينا خطة لزيارة إسرائيل لكنها ألغيت. لن نذهب» وفيما يبدو شرحا لموقفه قال: «صافحت هذا الرجل. كانت لدينا نوايا حسنة لكنه استغلها». السبب كان واضحا: «لا دولة أخرى يتصرف جيشها بمثل هذه اللاإنسانية» وفي اليوم نفسه، وتعليقا على اجتماع لمجلس الأمن لبحث وقف إطلاق نار إنساني هاجم «الموقف المنحاز لمجلس الأمن الدولي» معتبرا أنه تسبب في «أسوأ ضرر» لسمعة الأمم المتحدة.
أكّد اردوغان، في ذلك الوقت المبكّر ما لم يتجرأ أي زعيم في العالم على قوله وهو أن «حركة حماس ليست منظمة إرهابية» بل هي «مجموعة تحرير تقوم بحماية أرضها» داعيا «القوى العالمية» إلى الضغط على إسرائيل لوقف هجماتها.
تعرّض اردوغان لحملة إعلامية واسعة شارك فيها بعض سياسيي ألمانيا ضد زيارة مقررة له إلى برلين بسبب تضامنه مع الفلسطينيين، لكن تصريحاته تتابعت وبدأت تتخذ منحى متصاعدا ضد إسرائيل والغرب، حيث أعلن في 4 تشرين ثاني/نوفمبر أنه سيقطع اتصالاته مع نتنياهو كونه المسؤول المباشر عما يحدث في غزة كما هاجم مواقف أمريكا والاتحاد الأوروبي غير العادلة وأشار إلى غضها الطرف عن الظلم الذي ترتكبه إسرائيل كما استنكر حظر بعض الدول التي تتباهى بحرية التعبير العلم الذي هو رمز الشعب الفلسطيني.
تحول المؤتمر الصحافي الذي عقده الزعيم التركي مع رئيس ألمانيا الزائر فرانك شتاينماير لنقاش حاد حول إسرائيل. سأل شتاينماير اردوغان عن محافظة تركيا على «علاقات تجارية وثيقة مع إسرائيل» فرد اردوغان إن ذلك انتهى، مشيرا إلى أن ألمانيا لا ترى مشهد تدمير غزة وفلسطين، ولا ترى الفارق الهائل بين تسليح إسرائيل وغزة، التي لا تملك فرصة رد «الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة».
جاء لقاء اردوغان بإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» بعد رحيل الرئيس الألماني للتأكيد على موقف بلاده من الحركة، فيما مثل خطابه، أمس الجمعة، متابعة مهمة لسلسلة تصريحاته السابقة، فقد تطرق فيه إلى جهد إسرائيل للقضاء على هوية القدس والتصعيد ضد المسجد الأقصى، وأعاد التأكيد على اعتبار أعضاء حركة المقاومة الإسلامية «حماس» مدافعين عن أرضهم ضد المحتلين، واعتبار المنظمة حركة تحرر وطني.
تعرضت تركيا الرسمية، وكذلك دول عربية مثل الأردن والإمارات، لانتقادات حول إبقائها مجالات تجارية للتعامل مع إسرائيل بعد الحرب على غزة، وتبعت ذلك بضعة تطوّرات لافتة، منها تصريحات اردوغان ووزير خارجيته بأن تركيا أوقفت تصدير 58 مادة لإسرائيل.
إن جرأة اردوغان في التعبير عن مواقفه تجاه إسرائيل ونتنياهو (الذي وصفه مرارا بالجزار) هي فاعلية سياسية مهمة في عالم تعمل الولايات المتحدة على إرهابه وإخضاعه لصالح إسرائيل، ومجيء هذه التصريحات والأفعال من رئيس بلد بحجم تركيا، هو قيمة مضافة على جهود الدول الصديقة للفلسطينيين، مثل جنوب افريقيا ونيكاراغوا والتشيلي وكولومبيا وبوليفيا وقطر وبعض الدول الأوروبية.