تنويع مصادر التسلح العراقي رهن مزاجية القوى السياسية بعيدا عن التخطيط الواقعي

تنويع مصادر التسلح العراقي رهن مزاجية القوى السياسية بعيدا عن التخطيط الواقعي

موضوع تنويع مصادر تسليح القوات العراقية الذي يبرز من حين إلى آخر في خطاب المسؤولين والقوى السياسية الفاعلة في العراق، لا يزال أقرب إلى الأُمنية المفتقرة لخطوات عملية وبرامج تفصيلية لتنفيذه تتسم بالواقعية وتراعي مدى ارتباط بغداد بواشنطن بعيدا عن سطحية الفكرة التي تقوم على اعتبار الصين وروسيا بديلين متاحين بسهولة وجاهزين للتعويض عن دور الولايات المتحدة.

بغداد – أبرزت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني مؤخّرا إلى واشنطن مجدّدا مدى ارتباط العراق بالولايات المتّحدة الأميركية في مجال تسليح قوّاته وتوفير المعدّات والذخائر وقطع الغيار وما يستتبع ذلك من حاجة عراقية إلى التقنيات والخبرة الأميركية في مجال صيانة المعدّات، وذلك على الرغم من تذبذب العلاقة بين الطرفين بسبب المشاركة الفاعلة للقوى الشيعية الموالية لإيران والمناوئة للولايات المتحدة في حكم العراق وصياغة قراره السياسي والاقتصادي والأمني.

كما أعادت الزيارة، بالتوازي مع ذلك، إحياء الجدل بشأن الفكاك مما تسمّيه الأحزاب والفصائل الشيعية تبعية لواشنطن في مجال الأمن والدفاع، وتصعيد الدعوات إلى تنويع مصادر تسليح القوات العراقية بالتوجّه إلى بلدان أخرى مصنّعة للسلاح مثل روسيا والصين وباكستان وغيرها.

غير أن فورة تلك الدعوات وارتباطها بمناسبات معينة مثل زيارة السوداني لواشنطن تكشف طابعها الحماسي والعاطفي في أغلب الأحيان بعيدا عن أي تخطيط جدّي وتفاصيل عملية لتجسيدها على أرض الواقع وتذليل الصعوبات التي تحول دون تحقيقها.

وتظهر بعض الأرقام اعتماد العراق على الولايات المتّحدة في تسليح قوّاته بنسبة تفوق السبعين في المئة ما يجعل الحدّ من استخدام القوات العراقية للسلاح الأميركي، وفي أقصى الحالات التخلّي عنه وفقا لما تدعو إليه بعض الشخصيات والقوى السياسية، عملية معقّدة وطويلة المدى وتتطلّب مسارا طويلا وبطيئا وعالي التلكفة المادية، وذلك لضمان انتقال سلس وغير مؤثّر على الوضع الأمني الحساس من الاعتماد على التقنيات والخبرات الأميركية إلى الاعتماد على تقنيات وخبرات بديلة صينية وروسية وغيرها.

كما تحول دون الأمر عوائق مادية تتمثّل في الارتباط الشديد للعراق في توفير العملة الصعبة بالولايات المتّحدة التي تستطيع التضييق عليه في الحصول على عملة الدولار في حال رأت أن خصومها ومنافسيها الدوليين في مجال صناعة السلاح سيستفيدون ماليا من صفقات بيع الأسلحة للعراق.

وكشف الفريق شهاب جاهد قائد القوات الجوية العراقية قبل أيام عن وجود خطة لتنويع مصادر التسليح. ونقلت وكالة الأنباء العراقية عنه القول إنّ “العراق لديه خطة بشأن التوسع في تسليح القوات الجوية العراقية لتكون قادرة على تنفيذ المهام القتالية الحديثة بالكفاءة المطلوبة”.

وجاءت تلك التصريحات بمناسبة انطلاق تدريبات عسكرية مشتركة مع سلاح الجو الإيطالي، قالت الوكالة إنّ الهدف من إجرائها “زيادة الاستعداد القتالي للقوات وتعزيز قدراتها على مواجهة المتغيرات في المنطقة”.

ولم يكشف القائد العسكري الكبير عن تفاصيل خطة التنويع ولا المصادر الجديدة التي ينوي العراق التوّجه إليها لاقتناء الأسلحة.

وبحسب موقع غلوبال فاير بور، فإن القوات الجوية العراقية تضم 371 طائرة حربية بينها 26 مقاتلة حربية و35 طائرة هجومية و20 طائرة نقل و113 طائرة تدريب و17 طائرة مهام خاصة، إضافة إلى 197 مروحية بينها 40 مروحية هجومية، علما أن الغالبية الساحقة من هذا الأسطول أميركية الصنع.

ولا تمثّل الهيمنة الأميركية على تسليح القوات العراقية مجرّد مصدر للربح المادي، بل تمثّل بقدر أكبر وسيلة للحفاظ على النفوذ في البلد في ظلّ منافسة شرسة مع إيران وتحفّز واضح من قبل قوى أخرى مثل تركيا وروسيا والصين لتركيز موطن قدم لها في البلد المفتوح بشدّة على الصراعات الخارجية.

وعلى هذه الخلفية اعتُبر موضوع تسليح القوات العراقية جزءا لا يتجزّأ من قضية إنهاء الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية والتي تحاول حكومة السوداني جاهدة إيجاد مَخرج مناسب لها يتمّ التوفيق من خلاله بين رغبات الأحزاب والفصائل الشيعية المطالبة بإخراج القوات الأميركية من العراق، وتمسكّ الولايات المتّحدة بالإبقاء على قواتها هناك متذّرعة بحاجة القوات العراقية إلى المزيد من الإسناد والمساعدة في مواجهة تنظيم داعش الذي تقول واشنطن إنّ خطره لا يزال قائما وإنّه يشكّل تهديدا للبلد والمنطقة والعالم.

ويقول خبراء الشؤون العسكرية والأمنية إنّ إمداد القوات العراقية بالأسلحة والذخائر وقطع الغيار وصيانة المعدّات الأميركية التي يستخدمها الجيش العراقي من مركبات وطائرات مقاتلة وغيرها، يمثّل إحدى أوراق الضغط التي تستطيع واشنطن استخدامها في مفاوضاتها الجارية مع بغداد بشأن وجود القوات الأميركية في العراق.

وقبل زيارة رئيس الوزراء العراقي الأخيرة إلى واشنطن وخلالها، صعّدت القوى الشيعية من ضغوطها على السوداني لجعل إخراج القوات الأميركية من العراق بندا رئيسيا على أجندة زيارته، مطالبة بأن يحقّق تقدّما ملموسا في ذلك.

لكنّ معطيات واقعية حكمت مجريات تلك الزيارة وجعلتها تسير في اتجاه معاكس لما ترغب فيه القوى العراقية الحليفة لإيران، وتنحو نحو المزيد من الترابط بين بغداد وواشنطن وتشابك مصالحهما في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة والتسلّح.

وتمّ خلال الزيارة التوقيع على صفقة لشراء واحد وأربعين طائرة حربية أميركية للقوات العراقية قال المتحدث باسم حكومة السوداني بَاسم العوادي إنّه سيتم فتح خط إنتاج خاص لها قريبا وسيُشرع في تسلّمها خلال أشهر قليلة.

وسيجري تسديد ثمن قسم منها بطريقة مرنة، بينما ستكون البقية عبارة عن هدية أميركية للقوات العراقية.

وتلقّت أحزاب وفصائل شيعية منتمية إلى الإطار التنسيقي، القوّة الرئيسية في تشكيل الحكومة العراقية الحالية، رسالة سلبية من وراء الصفقة التي رأت فيها علامة على عدم جدية رئيس الحكومة في مساعيه لإخراج القوات الأميركية من العراق.

ووجهت تلك القوى انتقاداتها للسوداني معتبرة أنّه يتقرّب من واشنطن لأغراض سياسية خاصة به. وقال سعد المطلبي عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إن “الولاية الثانية (في رئاسة الحكومة) التي يسعى إليها السوداني وكسب المزيد من الأصدقاء، دفعاه إلى شراء الأسلحة من الولايات المتحدة والمتمثلة في واحد وأربعين طائرة رغم توفر البديل الأفضل لدى دول أخرى”.

إمداد القوات العراقية بالأسلحة والذخائر وقطع الغيار وصيانة المعدّات الأميركية التي يستخدمها الجيش العراقي من مركبات وطائرات مقاتلة وغيرها، يمثّل إحدى أوراق الضغط التي تستطيع واشنطن استخدامها

وأضاف في تصريح لوسائل إعلام محلية أنّ العراق يدفع إلى اليوم ثمن إسقاط النظام السابق وأن البلد “ملتزم ببقائه مع المحور الغربي”، معتبرا أنّ رئيس الوزراء “أجبر على شراء هذه الطائرات من أجل الحصول على دَفْعة سياسية”.

واتّهم عضو مجلس النواب العراقي وعد القدو من جهته الولايات المتّحدة بمنع أسلحة إستراتيجية مهمّة عن العراق، قائلا إنّ “وجود أسلحة إستراتيجية للدفاع الوطني في العراق ضرورة ضمن أولويات الأمن القومي للبلاد، لكن واشنطن سعت لسنوات إلى تحييد أي جهود على هذا المسار والضغط من أجل أن تكون مصادر السلاح من شركاتها حصرا لتحقيق أجندة بعيدة المدى”.

وأضاف في تصريحات لموقع المعلومة الإخباري المحلّي إنّ “التعامل مع السلاح الأميركي بعد 2003 أثبت العديد من المعطيات السلبية، أبرزها غلاء كُلف الصيانة وقطع الغيار واستغلال ملف الذخيرة والجهد الفني في عمليات تحديث الأنظمة لبعض الأسلحة من قبل واشنطن كأوراق ضغط على بغداد، وهذا الأمر يعطي إشارات مهمة يجب الوقوف عندها وإجراء مراجعة لأي صفقات مقبلة لشراء أي أسلحة”.

وأوضح النائب الشَبَكي المقرّب من ميليشيات الحشد الشعبي أنّ “العراق يدفع سنويا مئات الملايين من الدولارات لصيانة الأسلحة الأميركية”، داعيا إلى “إعادة صياغة مفهوم تنوع مصادر السلاح من ناحية الفعالية والكُلف وتوفر الأعتدة، وضرورة أن تتضمن البرامج إعادة توطين صناعة بعض الأسلحة في العراق كإجراء إستراتيجي بعيد المدى”.

ويقول قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ إنّ الأميركيين يمنعون العراق من التعاقد مع روسيا والصين لاقتناء أنظمة دفاع جوي خاصّة به، وذلك لتظل أجواؤه مفتوحة أمام الطيران الحربي الأميركي، وليظل بحاجة إلى ذلك الطيران، موضّحا أن واشنطن تستخدم عملة الدولار والاقتصاد للضغط على بغداد.

وسبق لوسائل إعلام عراقية تابعة للأحزاب الشيعية أن نشرت أنباء عن تدخّل أميركي مباشر للضغط على حكومة السوداني لعدم إبرام صفقة شراء طائرات رافال من فرنسا خلال الزيارة التي قام بها وزير الدفاع العراقي مؤخرا إلى باريس.

العرب