بيروت – تنتهي الاثنين ولاية مجلس النواب اللبناني وتصبح الحكومة في مرحلة تصريف أعمال، لتبدأ ولاية جديدة للمجلس بعد اجتماع المجلس النيابي المنتخب، الثلاثاء، ومن المتوقع أن تعيد التيارات السياسية في لبنان انتخاب نبيه بري رئيسا للبرلمان.
ورغم أن انتخاب بري محسوم، فإن الأنظار تتّجه إلى ما إذا كان سيفوز بمنصبه للمرة السادسة على التوالي بما فوق المئة صوت، في ظلّ حسْم عدد من الكتل الوازنة التصويت له مثل تيار المستقبل، وسط تكهنات بأن تكتل التيار الوطني الحر وحلفاءه سيدلُون بورقة بيضاء تعد تصويتا سلبيا ضد بري أمام إصرار حزب القوات بالتنافس على كافة المراكز المخصصة للمسيحيين.
وستحدد مواقف القوى السياسية في معركتهم البرلمانية طبيعة التحالفات القادمة التي ستأخذ بعين الاعتبار التوازنات التي أفرزتها نتائج الصندوق إضافة إلى المستجدات الخارجية بعد الإعلان عن عقوبات أميركية خليجية ضد حزب الله وقياداته.
قالت مصادر سياسية لبنانية مطلعة أن الجلسة الأولى لمجلس النواب اللبناني الجديد، الثلاثاء، ستطلق الإشارات لشكل السلطة التي يُعاد تشكيلها في البلد بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في 6 من الشهر الجاري.
ويستعدّ لبنان، الثلاثاء، لانتخاب رئيس مجلس نوابه، وتشكيل حكومة جديدة، وكتابة نص بيانها الوزاري. وحقق حزب الله (شيعي) -الذي تصنّفه الرياض إرهابيا- تقدّما ملحوظا في الانتخابات النيابية التي جرت في 6 مايو الجاري؛ إذ بات يسيطر على الغالبية في البرلمان، مع حليفه “التيار الوطني الحر” (مسيحي)، بينما خسر “تيار المستقبل” (سني)، بزعامة رئيس الوزراء سعد الحريري (المقرّب من المملكة)، 13 مقعدا، وحصل على 21 (من أصل 128 إجمالي عدد مقاعد المجلس).
وعلى الرغم من أنه من المتوقّع أن يعيد المجلس الجديد انتخاب نبيه بري رئيسا له، إلا أنّ المراقبين ينتظرون تموضُع التكتّلات البرلمانية حيال هذا الاستحقاق، للاطّلاع على نتائج المداولات التي دارت في الاجتماعات التي جرت في الأيام الأخيرة بين عدد من الزعماء اللبنانيين.
وكان الرئيس اللبناني ميشال عون قد اجتمع غداة الانتخابات الأخيرة برئيس مجلس النواب المنتهية ولايته، نبيه بري، وبرئيس الحكومة اللبنانية التي تعقد اجتماعها الوداعي الأخير اليوم الاثنين، سعد الحريري. كما عقد بري والحريري اجتماعا منفصلا، إضافة إلى الاجتماع المفاجأة الذي عقده الأخير مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
جلسة الثلاثاء ستعطي إشارات عن طبيعة المداولات التي ستنتهي إليها الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المقبل
وفيما أعلن الحريري باكرا أن كتلته ستمنح بري أصواتها، ما زال ملتبسا موقف كتلة لبنان القويّ التي يرأسها جبران باسيل. وتتحدث التكهّنات عن احتمال أن يصوّت أعضاء التيار الوطني الحرّ بورقة بيضاء تعد تصويتا سلبياً ضد بري فيما يصوت حلفاء “التيار” داخل التكتل لصالح بري.
المواقف من انتخاب بري
معلوم أن كتلة نبيه بري لم تصوّت لصالح ميشال عون في الانتخابات الرئاسية، كما أن توترا يسود علاقة بري بباسيل على خلفية موقف بري من ترشح عون للرئاسة وعلى خلفية تصريحات لباسيل قبل الانتخابات الأخيرة يهاجم فيها زعيم حركة أمل ويصفه بـ“الشبيح”، ما أثار ردود فعل في الشارع من قبل مناصري أمل الذين هاجموا المقر الرئيسي لـ“التيار” في سن الفيل في بيروت.
وعلى الرغم من خطب الاعتدال والتعاون والإيجابية التي صدرت عن الرؤساء الثلاثة، إلا أن توزّع الأصوات في جلسة انتخاب رئيس المجلس سيفتح الباب على مصراعيه أمام كافة القوى السياسية لخوض معاركها داخل المُحاصصة الجديدة في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ويدعو المراقبون إلى تأمل المعركة التي ستدور لانتخاب نائب لرئيس المجلس التي تجري بين التيار الوطني الحر وبين القوات اللبنانية. ويضيف هؤلاء أن الحزبين المسيحيين يواصلان التنافس على كافة المراكز المخصّصة للمسيحيين داخل الدولة اللبنانية.
ويعتبر القوات أن هذا المنصب كان من نصيب تحالف 14 آذار ليوازن مع منصب الرئيس من تحالف 8 آذار وأن ما حققه في الانتخابات الأخيرة (15 نائبا) يجيز له المطالبة بهذا الموقع إضافة إلى مواقع وزارية وازنة لاحقا. غير أن التيار الوطني الحر يسعى إلى منح المنصب لواحد من أعضاء كتلة “لبنان القوي” (29 نائبا) التي يسعى باسيل إلى تثبيتها مرجعا برلمانيا مسيحيا مرجحا.
وتقول المعلومات أن المداولات ستستمر حتى اللحظات الأخيرة قبل أن يفرج القوات عن موقفه من انتخاب بري كما من انتخاب نائبه وهذا ينسحب على موقف باسيل وتكتله.
وإضافة إلى كتلة حركة أمل داخل البرلمان سيحصل بري على أصوات كتلة حزب الله وتيار المستقبل والكتلة الجنبلاطية والكتلة التي يتزعمها رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي وكتلة سليمان فرنجية التي يرأسها ابنه المنتخب حديثا، إضافة إلى أصوات عدد من النواب المستقلين.
مصلحة الفرقاء اللبنانيين الإسراع في تشكيل سلطتهم على نحو يؤكد الاستقرار الداخلي لنيل ثقة المجتمع الدولي
وترى بعض المراجع أن حسم اسم بري كرئيس للبرلمان لا يخفي سخونة الانتخابات لجهة توضيح صورة الاصطفافات الجديدة. ويضيف هؤلاء أن الأعراض التي ستكشف عنها جلسة الثلاثاء ستعطي إشارات عن طبيعة المداولات التي ستنتهي إليها الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة المقبل. وفيما أن كافة التوقعات تجمع على إعادة تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أن هذا الإجماع قد يُخفي معارك لاحقة حول طبيعة الحكومة العتيدة وخارطة الحصص داخلها.
غير أن مصادر برلمانية ترى أن انتخاب هيئة المجلس غدا ستوضُح جانبا من جوانب المسافات التي يمكن أن تذهب إليها الكتل السياسية في المطالبة بحصصها الوزارية، وتضع خطوطا أولية لما هو ممكن وما هو صعب ومستحيل في المرحلة الحالية.
تجنب الانقسام
تكشف بعض المعلومات عن أن هناك توجّها لتجنيب المجلس النيابية معركة تكشف على نحو فاضح طبيعة الانقسامات غداة إنجاز الاستحقاق الانتخابي الأول للعهد وعشية تشكيل ما اعتبر الرئيس عون أنها ستكون حكومة العهد الحقيقية الأولى.
ويقضي هذا التوجّه بانتخاب بري رئيسا للمجلس بالتزكية ما يعتبر سبيلا لتفادي الثأر السياسي من قبل نواب التيار الحرّ ضد بري الذي اقترع ونواب كتلته للرئيس عون بأوراق بيضاء.
ولم يعرف ما إذا كانت المداولات ستسمح بمنح النيابة لأحد أعضاء كتلة لبنان القوي إيلي الفرزلي أو إلياس بوصعب. وتقول المعلومات إن نبيه بري يفضل الفرزلي، فيما تميل معلومات أخرى إلى منح بوصعب موقعا وزاريا في الحكومة المقبلة.
وقد نقل عن بري أنه يحترم خيار الرئيس عون بالنسبة إلى نائب رئيس المجلس وسيصوّت له، ما فهمه المراقبون بأنه استبعاد لمرشح القوات اللبنانية عن هذا الموقع. وترى مصادر دبلوماسية غربية في لبنان أن الطبقة السياسية اللبنانية شديدة الحساسية في استيعاب التحوّلات الجارية في الخارج.
وأضافت المصادر أن النظام السياسي اللبناني أخذ علما بحرص المجتمع الدولي على دعم لبنان سواء من خلال المؤتمرات الدولية المتخصصة أو من خلال عزم واشنطن وحلفائها على دعم الجيش اللبناني.
وتلفت المصادر إلى أنه من مصلحة الفرقاء اللبنانيين الإسراع في تشكيل سلطتهم وتوزيع حصصهم على نحو يؤكد الاستقرار الداخلي الذي بات ضروريا لنيل ثقة المجتمع الدولي.
وتخلص هذه المصادر إلى أن بيروت تأخذ بالاعتبار العقوبات الأميركية الخليجية على حزب الله كما المواجهة الدولية الجارية حالياً حول إيران، وأنه من مصلحة لبنان النأي بنفسه عن استحقاقات أكبر منه تتجاوز حساباته البيتية.
العرب