بالتزامن مع محادثات رباعية بين موسكو وواشنطن وتل أبيب وعمان لحسم ملف الجنوب السوري، تحدثت تركيا أمس عن «خريطة طريق» تم الاتفاق عليها مع الولايات المتحدة، تضمن لها السيطرة على مدينة منبج بعد انسحاب الوحدات الكردية منها، فيما أشارت واشنطن إلى أن المحادثات مع أنقرة جارية ولم يتم التوصل إلى اتفاق بعد.
وأجرى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سلسلة من المحادثات الهاتفية شملت العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي بحث معه في «الوضع الإقليمي والتطورات السورية»، قبل أن يبحث مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في «جهود تسوية الأزمة السورية». وكان لافتاً أن بيان الخارجية الروسية أفاد باتفاق الوزيرين على ضرورة العمل على «تجاوز الخلافات القائمة عبر حوار مهني في مصلحة تطبيع أجواء التنسيق»، بعدما كرر لافروف أمس دعوته القوات الأجنبية كافة إلى «ضرورة مغادرة الجنوب السوري».
إلى ذلك، ذكرت وكالة «الأناضول» التركية الرسمية أن أنقرة وواشنطن وضعتا «خريطة طريق» في شأن مدينة منبج السورية تشمل انسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية من غرب الفرات خلال شهر، الأمر الذي نفاه مجلس منبج العسكري، فيما أكدت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر ناورت، أن المحادثات «لا تزال مستمرة بين بلادها وتركيا في شأن منبج»، وقالت في مؤتمر صحافي أول من أمس: «لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق، فلا تزال المحادثات جارية».
ونقلت «الأناضول» عن مصادر قالت إنها شاركت في اجتماع مجموعة العمل التركية- الأميركية، قولها إن إعلان الاتفاق النهائي حول منبج سيتم خلال لقاء وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره الأميركي الإثنين المقبل في واشنطن. ووفقاً لـ «معلومات استخباراتية» حصلت عليها «الأناضول»، فإن قادة «وحدات حماية الشعب» باشروا الخروج من منبج إلى مدينة عين العرب (كوباني) شرق نهر الفرات (شمال سورية)، ليتوجهوا منها إلى بلدة عين عيسى.
وتنص المرحلة الثانية من «خريطة الطريق»، على تولي عناصر من القوات المسلحة والاستخبارات التركية والأميركية مراقبة المدينة بعد 45 يوماً من اجتماع الجانبين، على أن يعاد صوغ تفاصيل آلية المراقبة وفقاً لاحتياجات المدينة. أما المرحلة الثالثة من الخريطة، فتتضمن تشكيل إدارة محلية في غضون 60 يوماً، وإنشاء مجلسيْن، محلي وعسكري، يوفران الخدمات والأمن للمدينة، وفق التوزيع العرقي للسكان. ولفتت المصادر إلى إمكان تغيير بعض تفاصيل الاتفاق خلال اجتماع واشنطن، مؤكدة الحفاظ على الخطوط الرئيسة المتفق عليها في اللقاءات.
جاء ذلك بعد ساعات قليلة من تهديد أطلقه أوغلو في الطائرة أثناء عودته من ألمانيا، بأن بلاده «قد تشن عملية على منبج حال عدم وفاء الولايات المتحدة بوعدها في خصوص إجلاء وحدات حماية الشعب». وقال: «لو لم يترك وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون منصبه، لكُنا وافقنا على خريطة الطريق المعدة في خصوص منبج». وأكد «وضع جدول زمني واضح للخريطة، وهناك خطوات ملموسة في جدول زمني ملموس»، متعهداً إخراج العناصر الكردية من منبج، وقال: «ستتخذ تركيا وأميركا القرار بخصوص من سيتولى إدارة المنطقة. معاييرنا هي البنية الديموغرافية لمنبج».
ورداً على سؤال إن كانت هناك عراقيل بخصوص شراء مقاتلات أميركية من طراز أف- 35، أجاب أوغلو أنه ليس هناك أي نهج سلبي للإدارة الأميركية، وقال: «شخصياً لا أشعر بالقلق، لأنها صفقة. وتم دفع كلفتها. إنها اتفاقية شاملة تتضمن إنتاج بعض القطع أيضاً. وليس لهذه الاتفاقية أي علاقة بمنظومة الصواريخ الروسية أس-400». وأضاف: «على حلفائنا ألا يضعوا عقبات تعسفية في هذه الأمور. علينا أن نواصل هذه الأعمال بطريقة جديرة بالحلفاء».
في المقابل، نفت «وحدات حماية الشعب» انسحاب مسلحيها من منبج، وقال الناطق باسم مجلس منبج العسكري شرفان درويش: «لا صحة لما رُوج عن انسحاب من المدينة». وأضاف: «بعض الجهات يحاول استهداف الأمن والاستقرار في المدينة من خلال نشر أكاذيب عارية من الصحة». لكنه استدرك قائلاً إن «الوحدات انسحبت بالكامل بعد تحرير منبج (من داعش)، وتركيا تعرف أنه لا وجود للوحدات، والتحالف الذي تقوده واشنطن يعرف». وأوضح أن القيادة الكردية على علم بالاجتماع التركي- الأميركي، إلا أن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى أي اتفاقات.
ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مسؤول محلي في منبج، قوله إن تأكيد تركيا أن القوات الأميركية والتركية ستسيطر على منبج موقتاً «كلام سابق لأوانه، ولا صدقية له». كما أكدت مصادر قيادية في منبج أن القوات «لا تزال في المدينة وفي نقاط تمركز بمحيطها، ولم تتم انسحابات حتى الآن». وأشارت إلى أن مجلس منبج العسكري عمد إلى تشكيل أفواج ومكاتب عسكرية، بتنسيق مع التحالف. وأفادت بأن اجتماعاً جرى أول من أمس بين قيادة مجلس منبج ووفد من التحالف أكدوا فيه أن التشاور مع تركيا لا يزال مستمراً، ولم يتم التوصل إلى نتائج قطعية.