بعد أن انحسرت الرقعة الجغرافية التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، قال مسؤولون أميركيون إن تنظيم داعش يعيش الآن أواخر أيامه ولا سيما بعد سقوط خلافته المزعومة التي لم تدم طويلا في أواخر عام 2017، وتشتتِ مقاتليه في صحراء البلاد.
لكن، التحذيرات التي يطلقها المتخصصون في مجال مكافحة الإرهاب، تقول عكس ذلك، بل وتؤكد أن تنظيم داعش لن يختفي بهذه السهولة، وسيضرب الأهداف مجددا حيثما أمكنه ذلك حتى يُتمّ إعادة تنظيمه.
ويبدو أن إدارة ترامب قبلت الحقيقة القاسية بإعلانها أنها عكست خططا لتفكيك الوحدة الخاصة التابعة لوزارة الخارجية الأميركية التي تشرف على الحرب ضد داعش. وقبل أيام من ذلك، فاخر ترامب بأن خمسة من “المطلوبين” من قادة داعش أسرتهم القوات الأميركية والعراقية، التي أوقعت بهم داخل مخابئهم في سوريا عبر جهاز مخابرات بغداد.
من بين هؤلاء الأشخاص إسماعيل العيضاوي، الذي يُعتقد أنه من كبار مساعدي زعيم داعش الهارب، أبي بكر البغدادي، الذي نصّب نفسه خليفة على الشعب الإسلامي البالغ عدده مليار ونصف المليار حول العالم. وحتى الآن، نجح البغدادي في الهروب من القبض عليه في عملية مطاردة عالمية.
ولم يتم تحديد الزعماء الأربعة الآخرين من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، لكن مصادر عراقية حددت أحدهم على أنه صدام الجميل، وهو سوري متورط في السيطرة على الأراضي المحيطة بدير الزور في شمال شرق سوريا.
داعش يناضل من أجل بناء نفسه من جديد، مثله مثل المنظمات الجهادية الأخرى، وأثبت قدرته على الصمود في استيعاب الصدمات
وكان العيضاوي من أبرز قادة التنظيم الذين تم القبض عليهم في 9 مايو. وقد اعتقلته السلطات التركية في فبراير الماضي، ومن ثم سلمته إلى جهاز الاستخبارات العسكرية العراقي. وقال مسؤولون عراقيون إن عملاء عراقيين وأميركيين استخدموا تطبيق الرسائل تليغرام الخاص به على هاتفه المحمول للإيقاع بالآخرين وجذبهم من سوريا إلى العراق.
ولا شك أن هذه كانت ضربة قوية لداعش، لا سيما وأن التنظيم يناضل من أجل إعادة بناء نفسه من جديد، مثله مثل المنظمات الجهادية الأخرى، حيث أثبت قدرته على الصمود في استيعاب مثل هذه الصدمات.
ولكن الخوف هو أن هذا سيؤدي إلى هجمات إرهابية انتقامية عالية الخسائر من قبل داعش، وربما يؤدي إلى اتحاد المتعصبين الإسلاميين من الجماعات الأخرى معا. ومما أثار استياء الولايات المتحدة وحلفائها، أن تنظيم البغدادي، قام في الأسابيع الأخيرة بشن العشرات من الهجمات الإرهابية في مالي والنيجر وفرنسا وبوركينا فاسو وأفغانستان والعراق وسوريا، وكذلك إندونيسيا وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وتحظى بأهمية كبرى بالنسبة لداعش من منطلق أنها نقطة انطلاق لإعادة بناء التنظيم من جديد.
وأكد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أن هزيمة داعش وغيره من المنظمات الجهادية عسكريا أمر ضروري، لكن “الهدف الحقيقي يجب أن يكون” القضاء على المظالم التي تغذي هذا التطرف.
وأعاد مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية مؤخرا دعمهم للبغدادي في ما يُعتقد أنه أول إعلان ولاء لهم منذ سقوط الخلافة المزعومة على يد القوات الغربية والإقليمية بقيادة الولايات المتحدة في عام 2017. وفي بيان لهم تم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن المسلحون “من أجل ترويع وإرهاب الكفار، نجدد تعهدنا بالولاء لقائد المؤمنين وخليفة المسلمين، المجاهد الشيخ أبوبكر البغدادي الحسيني القرشي، حفظه الله”.
لا أحد يعلم حتى الآن، ما هي الخطوات التالية للتنظيم. ومع ذلك، وبتجميع أجزاء من المعلومات التي حصلت عليها أجهزة استخبارات غربية وشرق أوسطية، يبدو واضحا أن البغدادي ومساعديه قد يكونون هاربين بالفعل ولكنهم أبعد بكثير من أن يكون قد قُضي عليهم.
ويشك بعض المحللين في مجال مكافحة الإرهاب في أن سيف العدل، وهو عقيد سابق في القوات الخاصة للجيش المصري والذراع اليمنى لأسامة بن لادن، قد انضم بالفعل إلى تنظيم داعش، وربما يسعى لإحياء التنظيم من جديد.
وكان سيف العدل مرتبطا بأبومصعب الزرقاوي، الإرهابي الأردني الذي قاد فصيلا مقاتلا انضم إلى تنظيم داعش في العراق. وقال مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأميركية إن الاثنين التقيا في دار ضيافة في قندهار بباكستان عام 1999، ووجد العدل أن لديه الكثير من القواسم المشتركة مع الزرقاوي، بما في ذلك طبيعة شخصيته المتعصبة.
العدل يمكن أن يكون موجود في سوريا، وربما يساعد تنظيم داعش في إعادة تنظيم صفوفه من جديد، وقد ازدادت هذه الشكوك بسبب ظهور خطة جهادية يُعتقد أن العدل هو من أعدها
وقال تقرير لجنة مكافحة الإرهاب إن العدل أقنع بن لادن بالاستثمار في منظمة الزرقاوي الناشئة، والتي سمحت لها بإنشاء معسكر تدريب في هرات بباكستان، والتي أصبحت في ما بعد النقطة الحيوية لبدء ظهور داعش في نهاية المطاف.
وبعد غزو الولايات المتحدة لأفغانستان ردا على أحداث 11 سبتمبر، تحصن العدل بإيران -أو احتُجز هناك لعدة سنوات؛ لم يكن ذلك معروفا أبدا- وتجنب الهجمات الأميركية التي قضت تقريبا على قيادات القاعدة.
ثم عارض العدل وغيره من المقربين لبن لادن العملية التي جرت في الحادي عشر من سبتمبر لأنهم شعروا أن ذلك سيعرض حركة طالبان للخطر، مما سمح بتنامي تنظيم القاعدة وكان معه كل الحق في ذلك.
وذكرت لجنة مكافحة الإرهاب أنه “لم يتضح موقف العدل من الانشقاق الذي حدث بين بن لادن والزرقاوي بسبب الافتقار إلى توثيق المصدر الأساسي”، لكن اللجنة أضافت أن العدل طرح أفكارا تبناها ودافع عنها تنظيم داعش في ما بعد.
وبالرغم من أن العدل علق الآمال على خلافة بن لادن كرئيس لتنظيم القاعدة، إلا أن أتباع التنظيم ركزوا على ابن بن لادن ووريثه، حمزة، الذي أُعلن زعيما للتنظيم في المستقبل.
ومع ذلك، أشارت لجنة مكافحة الإرهاب إلى أن العدل أظهر قدرة خارقة على التكيف مع الظروف المتغيرة، على سبيل المثال ليس فقط من خلال قضائه عقدا من الزمن في السجن بإيران، بل استغلاله لتلك الفترة من أجل إطالة عمر حياته المهنية.
ويُعتقد أن العدل موجود في سوريا، وربما يساعد تنظيم داعش في إعادة تنظيم صفوفه من جديد. وقد ازدادت هذه الشكوك بسبب ظهور خطة جهادية يُعتقد أن العدل هو من أعدها.
وقال بريان فيشمان، خبير مكافحة الإرهاب في لجنة مكافحة الإرهاب، إن الخطة المكونة من سبع مراحل حددت كيف يمكن للجهاديين أن يغزوا العالم بحلول عام 2020، ووضعوا فيها مبادئ استعادة الخلافة التاريخية، التي انتهت بانهيار الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى.
يبدو أن إدارة ترامب قبلت الحقيقة القاسية بإعلانها أنها عكست خططا لتفكيك الوحدة الخاصة التابعة لوزارة الخارجية الأميركية التي تشرف على الحرب ضد داعش
وبالطبع فشلت تلك الجهود، لكن تم إثبات صحة الخطة الرئيسية التي تم الإبلاغ عنها، والتي هربها العدل على ما يبدو من إيران. ومنذ ذلك الحين اتضح محتوى تلك الخطة كما أقر ماليز روثفن، الكاتب المتخصص في الدين.
المرحلتان الأولى والثانية الصحوة (2003-2000) والقيام (2006-2003) يُذكر فيهما الهجمات ضد أهداف الولايات المتحدة في العراق لإثارة صراع مباشر مع أميركا، ولا شك في أنها تعكس عنصرا من الإدراك المتأخر بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان.
في المرحلة الثالثة النهوض (2007 – 2010) يتصور الجهاديون توسيع عملياتهم في جميع أنحاء سوريا ولبنان والقدرة على ضرب كل من إسرائيل وتركيا. وفي المرحلة الرابعة الإحياء من جديد والسلطة (2013-2010)، تنبأ الجهاديون بأنهم سيقلبون أنظمة الحكم في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهو التنبؤ في ما يعرف باسم “الربيع العربي”.
وتشير المرحلة الخامسة إعلان الدولة (2016-2013) بشكل مثير للدهشة، إلى حدوث انقلاب بريطاني على “الوحدة الأوروبية المتصاعدة”، مما يقدم فرصة جيدة “لإعلان خلافة الدولة الإسلامية”.
وعلى الرغم من انهيار هذا المخطط، إلا أن هيكله يعني ضمنا أن القادة الجهاديين يلتزمون باستراتيجية أكثر وضوحا مما كان يُعتقد. وإذا عاد العدل إلى العمل من جديد، فسيتحتم على الدول والمجتمعات مواجهة المزيد من المخاطر في المستقبل.
وقد لاحظ فيشمان في كتابه “الخطة الرئيسية: داعش والقاعدة والاستراتيجية الجهادية للنصر النهائي” أن إعلان البغدادي للخلافة في الموصل في يونيو 2014، يتزامن عن كثب مع الجدول الزمني للخطة، وبالتحديد مع المرحلة السابعة، “النصر النهائي”، والتي يتوقع فيها الجهاديون أن مسلمي العالم “سيحتشدون تحت راية واحدة للإطاحة بالنظم الإسلامية المرتدة وتدمير إسرائيل”.
وإذا حدث ذلك، فيمكن توقع أن يوظّف العدل مهاراته العسكرية الاحترافية في تجنب المواجهات الرئيسية مع خصوم الجهاد -الولايات المتحدة في المقام الأول- في حين أن تنظيم داعش يعاني الآن من الضعف ويتجنب “انتهازية بن لادن وخالد شيخ محمد (أحد أهم مخططي أحداث 11 سبتمبر)” مع السعي في الوقت نفسه إلى إجراء تحليل دقيق للتكاليف قبل اتخاذ أي إجراء.