ترى الكاتبة نسرين مالك في مقال بصحيفة الغارديان البريطانية أنه لو كان ثمة دليل عن المستبدين، لكان لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مكان في فصل “توظيف الدين”.
ففي الأسبوع الماضي وأثناء الإعلان عما يشبه “خلافة أميركية” استخدم وزير العدل جيف سيشنز نصا من الإنجيل للدفاع عن سياسات إدارة ترامب للفصل بين أطفال المهاجرين وعائلاتهم، على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
في كلمته تلك، عزا سيشنر للقديس بولس تشديده على ضرورة احترام القوانين التي تضعها الحكومة، “لأن الرب استخلفها لخدمته”.
من خلال استخدام هذا النص أراد سيشنز الإيحاء بأن الله يدعم سياسات الحكومة الأميركية الحالية، مشددا على أن التطبيق السليم والنزيه للقانون يعد في حد ذاته عملا أخلاقيا يحصن القانون ويحمي الضعفاء في الوقت نفسه.
لاحقا، أثار الصحفيون تصريحات وزير العدل أمام المتحدثة بالبيت الأبيض سارة ساندرز، وتحدوها أن تثب أن نصوص الإنجيل تجيز فصل الأطفال عن عائلاتهم.
ساندرز ردت بالقول إنها ليست على علم بتصريحات سيشنز، ولكنها شددت على أن احترام النصوص المقدسة يقتضي فرض القانون، “فقد تكرر ذلك في الإنجيل”.
وترى للكاتبة نسرين مالم أنه من الصعوبة بمكان أن تمسك بخيط ناظم لسياسات إدارة ترامب، إنها نتيجة لمزاجية طفل بدرجة رئيس، بينما يتورط البيت الأبيض “الضعيف” في الجدل الأيديولوجي وفي القضايا الهزلية.
ولكن هناك لحظات تؤشر إلى “تبديل السرعة”، مما يعكس أن هناك اتجاها معينا رغم أنه لا توجد خطة مرسومة للسير في هذا الاتجاه.
هناك مسار وضعته القوى التي جلبت ترامب إلى البيت الأبيض. هؤلاء ستتم “تغذيتهم رجعيا” وتبرير ذلك بكل الوسائل الممكنة.
عنصرية ونازية
بعد أحداث تشارلوتسفيل العنصرية والنازية قال الرئيس ترامب إنه يجب إلقاء اللوم على الجانبين وتحميلهما المسؤولية عن العنف. لقد كان ذلك تطبيعا مع أتباع حركة تفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة.
وعندما باشر ترامب سياسة مهاجمة وسائل الإعلام كان ذلك اعتداء منه على آلية المحاسبة أو المساءلة. حاليا، يأتي توظيف إدارته للدين في تبرير قوانينها خطوة جديدة في اتجاه خطير.
ولا يقتصر هذا التوجه على إعفاء الحكومة من المساءلة، بل يضفي على سلوكها القداسة بالقول إنها تنفذ “إرادة الرب”. وعليه لا يجوز التركيز على قسوة القانون. فالمهم هو التشديد على الطاعة والامتثال. تلك هي فتوى المفتي الأكبر جيف سشتنز.
وقفت الكاتبة عند المفارقة التالية: هناك شيء مرعب ومريح في رصد تطور النهج السلطوي في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. إنه من المخيف جدا استخدام الدين فيما يفترض أنها ديمقراطية ليبرالية ومتطورة، خصوصا عندما يضمحل دور الساسة ويقتصر على الطاعة والامتثال.
أما الشيء المريح هنا فهو البرهنة على أنه لم يحدث في مكان من العالم أن تطور البشر إلى حد تجاوز التجييش الديني لتبرير الاستبداد.
إن عقيدة الرعب لدى ترامب ليست من اختراعه إنما هو مقلد في هذا المجال. الأشهر القليلة الماضية برهنت على أن مرور الزمن لا يعني بالضرورة التطور.
إن النصوص التي استشهد بها وزير العدل الأميركي استخدمت في 1840 و 1850 لتبرير ممارسة الرق. وعندما احتج النشطاء بأن العبودية قاسية وبأن فصل الأطفال عن عوائلهم يناقض أخلاقيات الدين، كان الرد بأن الدين يطالب بالامتثال للقانون.
خليفة الرب
في حديث للواشنطن بوست علق أستاذ التاريخ في الكلية اليسوعية ببنسلفانيا جون فيا على تصريحات وزير العدل الأميركي بالقول إنها تندرج في إطار “التلاعب بالنصوص المقدسة لتبرير الأجندات السياسية الخاصة”.
إن التذرع بالطاعة أمر مألوف وينبغي وضعه في الاعتبار عندما يتعلق الأمر بسلوك الملك المقدس الذي يزعم أن الله ائتمنه أو استخلفه.
إن ترامب تطوقه تهم الخيانة خلال زيجاته الثلاث، وعلاقته بالكنيسة تلخصها جملة قال فيها إنه لم يسأل الله قط المغفرة. ومع ذلك حصل على 80% من أصوات الأنغليكانيين البيض.
حول دعمه غير المتوقع من المسيحيين، تقول الكاتبة آمي سيليفان إن الأنغليكانيين تملكهم الرعب لعدة عقود من الديمقراطيين والمتحررين، “و80% منهم سيصوتون ضد المسيح إذا رشحه الحزب الديمقراطي”.
إن العنصر الأكثر خبثا وقوة في نهج المستبد هو ارتباطه بقاعدته الشعبية على هذا النحو، بحيث يُنظر إلى سياساته من منطلق أهميتها لدى الجمهور المستهدف بغض النظر عن مدى موضوعتيها.
عند ما قال ترامب في حملته الانتخابية إنه لم يعد يرى “تعابير عيد الميلاد المجيد”، لم يكن يعبر عن مخاوف حقيقية من تآكل القيم المسيحية، إنما كان يغذي جنون العظمة والعداء لأبناء المهاجرين ويثير القلق بشأن العرق والهوية.
إذن لا يوجد شي اسمه عقيدة ترامب، ولكن هناك “شيفرة” ترامب التي يمكن بثها من منبر الأبيض إلى الناخبين.
أحداث شارلوتسفيل كشفت تعاطف ترامب مع الجماعات العنصرية في الولايات المتحدة (رويترز)
في أبريل/نيسان الماضي أعلن وزير العدل الأميركي جيف سيشنز عن التشدد في “عدم التسامح” مع المهاجرين، مما يعني أن كل من يعبر حدود المكسيك باتجاه الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية سيقدم للقضاء.
وتشمل هذه السياسة بعض طالبي اللجوء. ونظرا لأنه لا يمكن حجز الأطفال في معتقلات البالغين، فإنهم فُصلوا عن آبائهم وأمهاتهم. وتقول المنظمات المناصرة للمهاجرين إن مئات العوائل جرى الفصل بين أفرادها منذ أواخر 2017.
فك الشيفرة
ومن المفترض إدراج هؤلاء الأطفال في نظام خاص بالأطفال غير المرافقين لذويهم. وهذا النظام وضع مبدئيا الذين وصلوا للحدود بمفردهم.
وعادة يوضع الصغار غير المرافقين لذويهم في مراكز تابعة لوزارة الصحة خلال 72 ساعة من قبض حرس الحدود عليهم، ومن ثم ينقلون إلى معسكرات لجوء حيث ينتظرون لعدة أسابيع أو أشهر حتى تعثر الحكومة على بعض أقاربهم أو أصدقاء ذويهم لتركهم في عهدتهم داخل الولايات المتحدة.
ولكن هذا النظام تتقاذفه الفوضى حاليا بالنظر إلى تدفق الصغار مؤخرا من المكسيك إلى الولايات المتحدة. ويحذر النشطاء والمحامون من أنه لا توجد آلية وضاحة للم شمل هؤلاء الصغار مع ذويهم.
وبينما يشاهد الناس الأطفال المذعورين والعوائل المكلومة لفصلها عن فلذات أكبادها، فإن أنصار ترامب وحدهم يمكنهم فك الشيفرة وفهم هذه الإجراءات على هذا النحو: إن مخاوفكم حقيقية وإرادتكم تطبق وأنا المنفذ.
عندما يكتمل إنشاء خط اتصالات من هذا النوع فإن القلة هم من يمكنهم تعطيله، لا المناشدة العاطفية ولا المنطق يمكن أن يؤدي لنتيجة.
إن هذه “التغذية” لا تتعلق بالقيم أو الدين ولا حتى بالمحافظة، إنها ترتبط بالتحيز ضد الآخر وبالغضب من الليبراليين بهدف تمكين خصومهم.
نتعاطف مع الأميركيين الذين صدمهم استخدام كبار المسؤولين لنصوص الإنجيل التي تدعو لامتثال القانون، ومع أقوامنا الذين عانوا من ويلات استخدام النصوص المقدسة لتبرير الجرائم ضد الإنسانية. لكن المؤكد أن هناك المزيد في المستقبل.
المصدر : غارديان